الأحد، 5 يناير 2014

" منى"


رن جرس الموبايل برقم غريب لا أعرفه

أتاني صوت المتحدثة بلكنه فلاحي ... " الو .. ايوه يا أبله أميرة .. انا منى "

أتتني منى  من مكان بعيد بعيد  ... صغيرة بضفائر سوداء طويله ناعمة . تذكرت عيونها الواسعة الزائغة في اول ايامها في بيتنا وهي  تطيل النظر وتتفحص كل الاشياء الجديدة عليها .. عيونها الواسعة " المبحلقة " التي كانت تتركز علينا نحن شخصياً و كانت تصيبني بالضيق  فلم تكن قد تعلمت بعد اداب حفظ خصوصية الاسرة  بعدم اطالة النظر او التفحص و التركيز مع اهل البيت . تذكرتها في تفانيها الرهيب في خدمة امي و رأفتها بها و حبها و احترامها لها.  تذكرت صبرها حتى نالت شهادة  محو الاميه و كيف كانت تحضر الدروس الليلية  بعد انتهاء يوم عملها على حساب راحتها و في كثير من الاحيان معارضة والدها. اتتني لمحة اخرى وهي بنت العشرين في يوم عودتي لبيت امي  بعد ولادتي لأبنتي وعلى زراعي ابنتي وهي تتلقاها مني لتحتضنها بحب وكأنها بالفعل واحدة من الاسرة وقد كانت بالفعل واحدة من الاسرة بعد ان امضت في بيتنا ما يزيد عن خمسة عشر عاماً تعلمت فيها من أمي اكثر ما تعلمت فيها من أهلها ..

رجعت للحديث " منى ازيك يا حبيبتي انت عاملة ايه و ازي ولادك و جوزك .. الحمد لله يا ابله أميرة .. ازي ندى؟  .. انا اسفة يا أبله اميرة انا لسه عارفة دلوقتي على الحاج .. البقية في حياتك .. حياتك الباقية يا حبيبتي .. مالك بتنهجي كده ليه .. لأ بس زعلانة على الحاج .. طيب اقفلي أنت انا هاكلمك .. لا و الله يا أبله أميرة ..طيب ما تزعليش يا منى و يا ريت لما تيجي مصر تعدي علينا  احب اشوفك . .. حاضر يا ابله اميرة .. بس و النبي خلو بالكم على الحاجة " كانت هذه هي اخر كلمات مني قبل ان تنهي الاتصال .

اثار في هذا الاتصال مشاعر كبيرة جدا لان القيمة التي حملها كان اكبر بكثير من مجرد مكالمة من شخص استوحشته او تليفون تعزية ..بل قيمة الحب و الوفاء والاصالة من شخص بسيط جدا تربى في بيتك وصان عيشك و ملحك و أحبك بصدق بدون ان يستكثرعليك اي نعمة او تمتد يده لسرقتك . وها هو ذا لا يزال يحبك و يعني بأمرك من عن بعد .. اخذت افكر كثيراً ليه الناس الاكثر بساطة تكون اكثر اصالة و جدعنة و اكثر حفظا للجميل .. ليه مشاعرهم صادقة وعميقة وحقيقية بهذا الشكل ؟ طبعا ليس هناك مجال للتعميم .. بس انا بالفعل أميل الى البسطاء عندما تصح نفسياتهم .. يمكن لأن اغنياء هذا العصر قد ساءت طباعهم و معاملتهم للأبسط حالاً وسادت بينهم المغالاة في اشياء كثيرة تخصهم وغلت يدهم عما يتعدى رفاهيتهم الخاصة المبالغ فيها ؟  ..... برضه لا يصح التعميم فالدنيا مليئة بناس كثيرة محسنة و متصدقه و حسنة الاخلاق  . الا ان عمق العاطفة و الحب وهذا الصدق الشديد و الجدعنة لا تراها بالفعل الا من ناس ظروفها المادية ضيقة و لا تأتي ابدا من رفاهية ..

تذكرت احد الحوارات التي سمعتها مؤخرأ عن احد العائلات المتوسطة جدا والتي تشهد زواج احدى بناتها والتي روى لي محدثي كيف ان الابنة الكبرى تساعد اختها الصغرى  في بعض بنود جهازها تخفيفاً عن ابيهما في نفقات الزواج .. كيف كانت تدخل في جمعيات من مرتبها  لتحافظ له على وديعة مالية في احد البنوك لتساعده في عيشه بعد ان احيل الى المعاش .. من خبرتي و مما رأيت حولي هذه الافعال و هذا الاحساس العميق بالغير لا يصدر الا من الابسط حالاً .  

كل ما باشوف هذه التصرفات الجميله تأتي من ضيق حال ، اتأكد ان الكرم و العطاء لا يأتي بالضرورة من سعة يد او ووفرة و أتأكد ان ربنا وزع الميزات على الناس و ان مزايا كل وضع غير شاملة وافيه مهما كان وضعك عالى وكبير من حيث الرزق . سعيده جدا ان ربنا بيحط في طريقى ناس عظيمة اتعلم منها حاجات جميلة  واشوف فيها كل هذا العمق ...

 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق