الخميس، 26 فبراير 2009

حادي بادي،... صوت جاي لنا هنا من الناحية دي

ذكرياتنا واحنا صغيرين هي صوت جاي لنا من بعيد.... أول يوم مدرسة هو يوم لا ينسى .صداقاتنا الصغيرة ، استعدادات الحضانة لحفلات أخر العام وأصواتنا الصغيرة ونحن نغني على نغمات البيانو " ماما يا حلوة يا أجمل غنوة" . المسرح الذي شهد رقصاتنا ولهونا. عالمنا الصغير هذا كان عالمنا السحري ، شكل حياتنا وترك لنا الذكريات.

اليوم أريد ان أسترجع هذا الجزء من حياتي . أريد أن أعود بذاكرتي لأنفض التراب عن الصندوق الأسود الذي يحوي كل الذكريات .... .. مدرستي وحشتني.


يالا بينا ... يالا يالا . يالا يالا بينا... دي الشمسوسه طالة طالة وبتنده علينا. "



دي الأغنية اللى أنا سامعاها وأنا بادخل من باب المدرسة الأمامي . يلاقيني على الباب عم حسين بالجلابية البيضاء بترحاب ويقولي أتفضلي .....النهارده يوم الأحد . الحصة الأولي والثانية رسم .


نصطف كلنا في طابور لنذهب الى غرفة الرسم ذات الواجهة الزجاجية المطلة على الحديقة الأمامية . ترابيزات كبيرة تحيطها مقاعد طويلة كافية لتستوعبنا. الحوائط مزدانة بالأعمال الفنية من أنتاجنا نحن والتلاميذ الآخرون. مواد فنية ، خامات والوان . نجلس وتحدثا ميس جيهان. " النهارده يا أولاد هانعمل حاجة جديدة . أنا معايا شريط جديد للأطفال عجبني أوي وعاوزاكو تسمعوه. هنشغل الشريط ده دلوقتي وهاترسمموا وانتو بتسمعوا . ما عندناش موضوع محدد. اللي يجي على بالكوا أرسموه."


وأدارت ميس جيهان الشريط وكانت أول مرة أسمع هذه الأغاني وأول مرة أرسم على خلفية موسيقية .أذكر منظر حديقة المدرسة في الصباح الباكروالشمس المشرقة تتخلل الزجاج المزدان بالرسوم الزيتية من رسم ميس جيهان. أكذر دفئ الشمس ودرجة سطوع الشمس المعتدلة المريحة والمهدئة للنفس. و يا ألله كم هي جميلة هذه الاغاني . نقلتني الى عالم سحري كله الوان و مرح و نغمات. هكذا كان شعوري ذلك اليوم. كم هي جميلة ميس جيهان بشعرها الأسود الطويل والروج الأحمر الذي كان يمثل أقصى درجات الأبهار في ذلك الوقت بالنسبة لي . هكذا رأيتها .. جميلة ورقيقة، فأحببتها وأنطبعت صورتها في ذهني كصورة جميلة لا يطولها الزمن. و لكن هل لو رأيتها الآن هل أعرفها ؟...... أشك!


فاتت كام سنة وأتنقلنا من مبني الأبتدائي إلى مبني الأعدادي. الحصة الآن حصة أحياء وسوف نذهب إلى المعمل . ننزل من الدور الثاني مقر فصلنا ونتحرك في طابورين: واحد للبنات والآخر للأولاد. ونتلكلأ قليلا لنضيع بعض الوقت ونثرثر بأي أحاديث ونضحك على أتفه الأسباب . وفي طريقنا نمر بمكتب وكيل المدرسة ونتنبه لذلك فيخف الهرج والمرج للحظات إلى أن نتخطى منطقة " الخطر".


اليوم حصة تشريح. سوف نقوم بتشريح أرنب . يقوم مستر "سيتي" مدرس الأحياء بذبح الأرنب ويقوم بشرح الخطوات التالية للتشريح ويطلب بعض المساعدة في تثبيت الأرنب على لوحة التشريح. " مين هايجي يثبت الأرنب بالمسامير؟ ويسود المعمل صمت تام ..... ولا ينطق أحد إلا الفلحوسة التي هي أنا "أنا يا أستاذ أنا" وأخطوا نحو المنصة الكبيرة الموضوع عليها الأرنب ويناولني الأستاذ الشاكوش الكبير والمسامير ... أحاول التغلب على الرهبة التي أنتابتني وأمسك رجل الأرنب الصغيرة التي كانت لا تزال تنبض ولم تفقد حرارتها بعد..... " لأ مش أدرة، مش ادرة " و أجري وأترك الأرنب والأستاذ وأجلس في مكاني وسط ضحك زملائي الجبناء. طب أنا حاولت اتغلب على خوفي .. انتو عملتوا أيه؟


النهارده بقى السبت عندنا أجازة . بس أحنا برضه مع بعض...... وفين بقى؟ ... في الأسماعيلية. عندنا رحلة . في الأتوبيس بنغني ونرقص والبنات وسط الولاد مش باينين من بعض بسبب تسريحة "البنك" اللي كانت كل البنات عملاها . ونصفق ونحن نقترب من أحد النوادي على قناة السويس. بعض المفاوضات بين مشرف الرحلة وموظف النادي . ننتظر بترقب ونحن نستعجل النزول . يدخل الأتوبيس الى النادي ويركن. نقفز من الاتوبيس ونجلس على الرصيف و يحلوا لنا التقاط الصور لحين قطع التذاكر ونتدافع لنظهر في الصورة..


وتمر سنوات أخرى ونصل الى الثانوية العامة . الوقت ده كان وقت جد . أكثر سنة ذاكرنا فيها وعملنا فيها جهد . ماهي بتحدد مستقلبنا. بس كنا كلنا بنحب أو أغلبنا علشان ما حدش يزعل. وكانت البنات مع أولاد أكبر. ماهو في المرحلة دي ما كنش يملى عنينا العيال بتوعنا دول . وكان وقت عبد الحليم وليالى الحلمية ونوتس لاندنج وفالكون كرست. و في المرحلة دي كانت تنازعنا أحاسيس الحنين ونحن نوشك أن ننهي مرحلة جمييييييييلة من حياتنا هي مرحلة المدرسة و في نفس الوقت مشاعر التطلع الى مرحلة الجامعة بما ترتبط به من حرية والدخول في مرحلة الشباب.


ونجحنا..... وتركنا المدرسة وطوينا صفحة جميلة من حياتنا وطفولتنا . هل تركناها في المدرسة؟ طبعاً لأ.
أخذنا الكثير منها في شخصياتنا من ذكريات وصداقات ومشاعر تقدير عميقة وحب لزملاءنا وأساتذتنا وحتى عمال المدرسة..


وأخطو على مضض على الممشى الطويل المؤدي الى باب الخروج وأنظرعلى يميني فتطالعني الملاعب الواسعة التي أفنينا أنفسنا فيها لعباً وجرياً وصريخاً. وأرفع رأسي إلى الفصول العلوية وأقول لنفسي وأنا أمسح دمعة صغيرة ابداً لن أنسى هذه الأيام. وقرب باب الخروج تقع عينى على الجرس المعدني الكبير ويرن في أذني صوت الأغنية يوم حصة الرسم في فصل ميس جيهان مدرسة الرسم الجميلة............. . " حادي بادي، حادي بادي، صوت جاي لنا هنا من الناحية دي ....... عمال بيغني وينادي....... سامعين صوته الحلو العالي....... بيقول تعالولي تعالولي."
أميرة المسيرى

الأربعاء، 11 فبراير 2009

أجري أجري أجري



عمرك حسيت أنك في سباق؟ عاوز تعمل وتعمل وتعمل. و تجري وتسعي وتنتج وتاخد الخطوات اللي توصلك لهدفك، لكنك و انت بتجري بتحس انه مش كفاية . لازم تعمل اكثر. وساعات تلوم نفسك و تقول ليه ما اشتغلتش اكتر؟ و ليه ما حققتش أكثر؟ او ليه انا مش احسن مهنياً ؟ ليه ما كنتش أجتماعي اكتر؟. ليه ليه ليه ؟
وتلوم نفسك بسبب كل شئء، سواء كان بارادتك أو خارج عن ارادتك. وتقول أنا اتعطلت و اللي فات وقت ضاع . الأغرب من كده لما تجيلك الأحاسيس دي لما تكون بالفعل أبتدي حهدك يبان ، لما تكون يدوبك أبتديت تاخد اللي تستاهله في وظيفتك مثلاً او تكون أنجح و أنضج أجتماعياً .... ساعتها بتقدر نفسك، لكن برضه بتلاقي نفسك في سباق محموم عشان تعوض وتلحق . . تلحق أيه بالظبط مش عارفة ؟ بس الفيصل أنك تلحق حاجة أفضل مما انت فيه دلوقت.
و ساعات ثانية عزمك يهبط و تيأس و تقول اللي فات صعب يتعوض. و تكون النتيجة أنك تلاقي نفسك في سباق محموم و قلق مستمر و تلاقي نفسك بتجري و تجري، و تتكعبل وتتعثر لانك بتجري جوه نفسك ، بتعذب في نفسك و ساعتها كمان يمكن تفقد صبرك وعزمك اللي المفروض انك تحافظ عليه لأنه سلاحك اللي هيخليك تكمل السباق و تاخد اللي تستحقه . حقيقي النفس البشرية ديه كلكيعة كبيرة!
ده السباق اللي كلنا بنجري فيه . بعضنا محدد عاوز يوصل فين والبعض الاخر عاوز يوصل مكان ما لكن مش محدد أوي، شايف كل اللي حواليه بيجروا، فلازم يجري هو كمان، يمكن يلحق أي حاجه. لكننا في السباق ده بنحترف القلق ، بيصبح جزء من حياتنا. بنصحي و ننام بيه، بيعذبنا. ساعات ييكون حافز وساعات بيكون العزاب. فيه ناس تقولك النجاح عندي مش أختيار وحد تاني يقولك أنا عندي زكاء و قدرات و طاقة و أنا عارف أن ربنا هايحاسبني عملت بيهم ايه . لكن في الواقع أن ربنا مش هو السبب . أحنا السبب.
اليوم فقط عرفت سبب لهذا السباق و هذا القلق. سبب بسيط جداً له وجود في كل اللغات . على الأقل اللغات الثلاثة التي أعرفها. ضحكت من نفسي لما فكرت فيه وحطيته في جملة مفيدة. ...السبب صيغة التفضيل.يعني ايه؟ ببساطة معناها أن كل حاجة حلوة في الدنيا فيه أحسن منها و بدرجات مختلفة.
مثال لكده بالانجليزيةgood, better, best أما بالبلدي فمعناها أن القوي فيه الأقوى منه و الشاطر فيه الأشطر منه و الحلو فيه الأحلى منه . الخ الخ الخ . فبالتالي مش كفاية تكون شاطر ، و لا كفاية تكون زكي. لا لازم تكون الأفضل .
أسرح بخيالى و أنا أتخيل الأفضل و الأحسن . و أتسائل ليه يا ربي المنتهى صعب ؟ وليه طريقه طويل؟ ليه صعب الوصول بالاشياء إلى آخرها؟و لكني أسأل نفسي لماذا المنتهى؟ وكأن الصفات ليست كفاية ؟ لماذا المنتهى ؟
و أعود تاني للسباق مانا عاوزه أنجح ، عاوزة أعوض اللي فات . أو عاوزه الحق أستمتع قبل فوات الاوان. و أكاد أجن . و أجري و حولي المتسابقين ، كل يجري في سباقه ، منهم شخصيات لا تطاق و منهم ناس مؤثرين . وأقف قليلأ أحاول أن التقط أنفاسي و لا يكون هذا بارادتي و لكن لاني أنهار و لا أستطيع إلا أن أتوقف. أحاول أن أتزكر نفسي و حياتي قبل دخول سباق المنتهى فأجد نفسي أبسط ، أجد نفسي أنا . و أتزكر متعي البسيطة .
و أقرر أن أخذ أجازة من السباق، فأخرج وأركب سيارتي و أفتح الشباك الى آخره و أفتح عينى أتامل أشرعة المراكب في النيل و أحول بين محطات الراديو فاسمع " يا حلو صبح ، يا حلو طل ... نهارنا أبيض نهارنا فل" فاتفائل و أطرب . و أقلب المحطات الى ان أجد أغنية تعجبني .... " بكرة يا حبييبي يحلو السهر، بكرة يا حبيي نحضن الامر. " و أغني و أنا سعيدة .و عندما أحب أن أتوقف، أتوقف . و أتامل كل ماحولي بنفس تود أن تهدأ. و أنظر الى الشمس و السماء الصافية ، فأستريح من داخلي وأغمض عيني وأريح رأسي الى الوراء و أشعر بحرارة الشمس تتسلل إلى جفوني، فاغفو وأنسى السباق لبعض الوقت.
.............................................
و لكن.. السباق له متعته . متعة اذا عرفتها لن تزهدها لانها تصل بك الي اقصى درجات الاداء . أنت في احسن صورة و أكمل صورة ممكنه . درجات و حالات لم تكن تعرفها عن نفسك و لا يعرفها عنك الغير. و في السباق تقابل ناس تتعلم منها ، تبهرك فعلاً و تكون ناس حقيقية . و ناس اخرى لا طعم و لا رائحة و لا لون و في قلب السباق، لو عندك شوية مخ ، بتتفرج و تتامل و تضحك في سرك على حاجات كثيرة وساعات برضه يمكن تعمل أهبل! أذن فالسباق ليس كله مساوئ و لا كله عيوب و من أدمنه و أختاره هو شخص دايماً يحب يكون أحسن و فعلاً بيكون أحسن .
لكن أنا اتعلمت حاجة... العيب مش في السباق. العيب في المحرك . العيب أن نشعر باننا لازم نلحق حاجة أو نعوض حاجة. العيب أن نقسو على أنفسنا ونتركها فريسة لأحاسيس سلبية تهدم أكثر مما تبني. الى كل المتسابقين المجانين، القلقين، أنا مستمرة في السباق ولكني قرررت أن أنزع القلق ورغبة التعويض. أنا راضية عما حققته وسوف أكمل بروح مختلفة . لن الوم نفسي على أي شئ . لو ماشية على رجلي هاخد بالي . و لو أنا اللي سايقة و عملت حادثة لن الوم نفسي ما هو ممكن الغلطة ما تكونش غلطتي . ولو غلطتي، مش مهم. أما بقى اذا كنت هانم وعندي سواق ،أتمنى فقط ألا يقع حظي في سواق عبيط يقع بيه في الترعة .
أميرة المسيرى