الثلاثاء، 7 يناير 2014

خالتي اللتاته



عندي مشكلة كبيرة اوي مع الرغي حباً في الرغي في مجال العمل وفي الحياة الخاصة .. ليه ؟

أولا هو مين الرغاي ؟ هو مش حد بيحب الكلام و خلاص .. لأن كلنا بنحب الكلام والفضفضة والحكاوي  بدرجات مختلفة وبنحتاج الناس تسمعنا وبنفرغ طاقة من الكلام في احاديثنا هذه. وكلنا عندنا اهتمامتنا الخاصة والمواضيع اللى نحب نتكلم فيها ، بل نرغي فيها . يبقي مين الرغاي ؟

 الرغاي هو كل حد فينا لما بيفقد احساسه بحق الاخر انه يسمع او لا يسمع حكاياته عن نفسه و تفاصيل تفاصيل حياته وحياه اصحابه و معارفه واللى جنب اللى جنبه  او أي موضوع لا يهمه. بمعني ايه ؟ بمعني انك ساعات تحب تحكيلي حاجات وتفاصيل عن نفسك وحياتك لا تهمني ولا تفرق معايا .. فهل تعي وهل تهتم ... وهل تتوقف ؟  لأ .... انت بتفرض عليا  أسمعك غصبن عني .. ازاي بتعمل كده ؟

 نتكلم علمياً .. في التواصل  بين الناس فيه مرسل و مستقبل ورسالة وردة فعل .. لو انت المرسل وانا المستقبل وحوارك هو الرسالة اللى بتقلهالي. وانت بتتكلم المفروض انك عندك نوع من الاستقبال لردود افعالى ... زي انطباعات وجههي وهزة راسي ، زي ال "هممم" اللى باقولها عشان اشجعك تكمل او لأ . لو بصيت لي  بعد نص ساعة كده من كلامك و لقيتني قطعت  النفس وما فيش تجاوب ، بيتهيألى تحتاج وقتها لتغير الموضوع او تعملي تنفس صناعي.

اختيار موضوعات الحديث برضه بيقول حاجة عني وعنك وعن علاقتنا .. فمثلا الرغي اللى يمس الحياة الخاصة هو الفضفضة اللى بنعملها مع اقرب الاقربين مش المفروض يكون علي المشاع .. طيب لو انت عاوز تقرب لحد ونوعية الحديث دي هاتساعدك وممكن تكون وسيلتك في تعريفه بنفسك؟؟ اعتقد برضه تحتاج تشوف استعداد و تجاوب اللى قدامك وعلى اساسه تقرر تكمل او لأ.

نوع اخر من الرغي مش باعرف اعمل فيه ايه. هو ان يحكيلك محدثك نفس القصة اللى حكهالك قبل كده على الاقل سبعتاشر مرة و "الطريف" في الامر انه بيحكيهالك بنفس عدد الكلمات والتطويل والمؤثرات السمعية و البصرية . طيب فين الأثارة بقي يا عبقري ؟؟

مواقف اجتماعية اخري خلتني اشوف صورة واضحة جدا عن مساوىء ان تكون رغاي.  تخيل نفسك في  زيارة لاحد الاصدقاء او انك في خروجة مع ناس جديدة لسه ما تعرفهاش  قوي ، بس انت خارج عشان تتعرف عليهم . حظك الجميل وقعك في حد من اخوانا الرغايين ..تتوقع اليوم هايمشي ازاي ؟  غالبا اخونا الرغاي  هيتعامل من منطلق نجم السهرة ومذيع الفقرة الأوحد وهايستفرد بالميكروفون وهاتك يا كلام بدون اعطاء اي فرصه لحد تاني للمشاركة في الاحاديث . خطورة ده ايه  يا استاذنا الرغاي ؟ انك ببساطة بتسحب من كل الاخرين حقهم في الاستمتاع و الحديث في موضوعات اخرى تهمهم هما كمان و بتفرض عليهم حالة من الملل و الخرس الاجباري و بتصادر فرصتهم في التعارف على أي حد تاني غير شخصك الكريم . أي انطباع تتركه ؟؟

نوعين تانين من الرغي شوفتهم كتير اوي وعلى فكرة الظاهر انهم مش جداد لأن ليهم وجود ووصف في امثالنا الشعبية .اول هذه الأمثال:  واحد راح يسأل ابوه " يا آبا علمني الهيافة...  قاله تيجي على الهايفة و تتصدر "... قاله طب و النبي علمني الغتاته .. قاله " اللى تقولو عيده و اللى تعيده زيده ".

خلينا نشوف طيب وصية "الهيافة " و ده بيحصل لما بتكون انت بتتكلم في حاجة مهمة جداً .. جد بأه او متضايق او حتى متعصب و حد بيسمعك وهو  "عامل" بيسمعك اوي و "متك على نفسه" و مركز....  و يجي عند اتفه حته في الموضوع و هاتك يا أسئلة تاخدك في حتت فرعية لا هاتقدم ولا هاتأخر ومش في صلب الموضوع..   غالبا الاسئلة دي بتكون لاشباع فضول معين عنده هو لا اكثر ولا أقل..

طيب وماذا عن وصية الغتاتة ؟ الغتاتة بقي هو كما أوضح المثل القديم هو انك تاخد محدثك في صولات وجولات تعيد و تزيد فيها و تلف و تدورحوالين  فكرة بسيطة جداً كان ممكن تقولها في كلمتين فقط ليس الا. على فكرة الناس معندهاش وقت فائض اوي قوي كده .

 .. أنا باحب أسمع الناس جدا على فكرة  و باحب اتكلم طبعأ و الدليل على كده اني باحب اكتب، بس زيي زي كل الناس اهتماماتي و انتباهي انتقائي و دي حقيقة علمية في علم النفس .. انت لن تنتبه و لن تستبقى اي معلومة في زهنك الا اذا كانت تفرقلك بشكل ما ... نعمل ايه طيب ما هو ربنا خلقلنا عدد محدود من " الرامات " زي الكمبيوتر بالضبط .. هدفي الاساسي اوفر راماتي و اقلل من التشويش اللى اصبح ملاحقنا من كل ناحية .. الاهم من كده اني اصبحت حساسة جدا تجاه الناس التي لا تتحلي بالأخلاقيات الاجتماعية والتي لا تأخذ في اعتبارها رغبات الغير و استعدادهم النفسي و اختلاف اهتماماتهم..  

في النهاية ... للمجاملة حدود ..

 

 

الأحد، 5 يناير 2014

" منى"


رن جرس الموبايل برقم غريب لا أعرفه

أتاني صوت المتحدثة بلكنه فلاحي ... " الو .. ايوه يا أبله أميرة .. انا منى "

أتتني منى  من مكان بعيد بعيد  ... صغيرة بضفائر سوداء طويله ناعمة . تذكرت عيونها الواسعة الزائغة في اول ايامها في بيتنا وهي  تطيل النظر وتتفحص كل الاشياء الجديدة عليها .. عيونها الواسعة " المبحلقة " التي كانت تتركز علينا نحن شخصياً و كانت تصيبني بالضيق  فلم تكن قد تعلمت بعد اداب حفظ خصوصية الاسرة  بعدم اطالة النظر او التفحص و التركيز مع اهل البيت . تذكرتها في تفانيها الرهيب في خدمة امي و رأفتها بها و حبها و احترامها لها.  تذكرت صبرها حتى نالت شهادة  محو الاميه و كيف كانت تحضر الدروس الليلية  بعد انتهاء يوم عملها على حساب راحتها و في كثير من الاحيان معارضة والدها. اتتني لمحة اخرى وهي بنت العشرين في يوم عودتي لبيت امي  بعد ولادتي لأبنتي وعلى زراعي ابنتي وهي تتلقاها مني لتحتضنها بحب وكأنها بالفعل واحدة من الاسرة وقد كانت بالفعل واحدة من الاسرة بعد ان امضت في بيتنا ما يزيد عن خمسة عشر عاماً تعلمت فيها من أمي اكثر ما تعلمت فيها من أهلها ..

رجعت للحديث " منى ازيك يا حبيبتي انت عاملة ايه و ازي ولادك و جوزك .. الحمد لله يا ابله أميرة .. ازي ندى؟  .. انا اسفة يا أبله اميرة انا لسه عارفة دلوقتي على الحاج .. البقية في حياتك .. حياتك الباقية يا حبيبتي .. مالك بتنهجي كده ليه .. لأ بس زعلانة على الحاج .. طيب اقفلي أنت انا هاكلمك .. لا و الله يا أبله أميرة ..طيب ما تزعليش يا منى و يا ريت لما تيجي مصر تعدي علينا  احب اشوفك . .. حاضر يا ابله اميرة .. بس و النبي خلو بالكم على الحاجة " كانت هذه هي اخر كلمات مني قبل ان تنهي الاتصال .

اثار في هذا الاتصال مشاعر كبيرة جدا لان القيمة التي حملها كان اكبر بكثير من مجرد مكالمة من شخص استوحشته او تليفون تعزية ..بل قيمة الحب و الوفاء والاصالة من شخص بسيط جدا تربى في بيتك وصان عيشك و ملحك و أحبك بصدق بدون ان يستكثرعليك اي نعمة او تمتد يده لسرقتك . وها هو ذا لا يزال يحبك و يعني بأمرك من عن بعد .. اخذت افكر كثيراً ليه الناس الاكثر بساطة تكون اكثر اصالة و جدعنة و اكثر حفظا للجميل .. ليه مشاعرهم صادقة وعميقة وحقيقية بهذا الشكل ؟ طبعا ليس هناك مجال للتعميم .. بس انا بالفعل أميل الى البسطاء عندما تصح نفسياتهم .. يمكن لأن اغنياء هذا العصر قد ساءت طباعهم و معاملتهم للأبسط حالاً وسادت بينهم المغالاة في اشياء كثيرة تخصهم وغلت يدهم عما يتعدى رفاهيتهم الخاصة المبالغ فيها ؟  ..... برضه لا يصح التعميم فالدنيا مليئة بناس كثيرة محسنة و متصدقه و حسنة الاخلاق  . الا ان عمق العاطفة و الحب وهذا الصدق الشديد و الجدعنة لا تراها بالفعل الا من ناس ظروفها المادية ضيقة و لا تأتي ابدا من رفاهية ..

تذكرت احد الحوارات التي سمعتها مؤخرأ عن احد العائلات المتوسطة جدا والتي تشهد زواج احدى بناتها والتي روى لي محدثي كيف ان الابنة الكبرى تساعد اختها الصغرى  في بعض بنود جهازها تخفيفاً عن ابيهما في نفقات الزواج .. كيف كانت تدخل في جمعيات من مرتبها  لتحافظ له على وديعة مالية في احد البنوك لتساعده في عيشه بعد ان احيل الى المعاش .. من خبرتي و مما رأيت حولي هذه الافعال و هذا الاحساس العميق بالغير لا يصدر الا من الابسط حالاً .  

كل ما باشوف هذه التصرفات الجميله تأتي من ضيق حال ، اتأكد ان الكرم و العطاء لا يأتي بالضرورة من سعة يد او ووفرة و أتأكد ان ربنا وزع الميزات على الناس و ان مزايا كل وضع غير شاملة وافيه مهما كان وضعك عالى وكبير من حيث الرزق . سعيده جدا ان ربنا بيحط في طريقى ناس عظيمة اتعلم منها حاجات جميلة  واشوف فيها كل هذا العمق ...