الجمعة، 3 أبريل 2015

الربيع جاي

 
صحيت الصبح من كام يوم و اتفاجأت ان شجرتي الهائلة ، الرائعة ، المعمرة معلهاش ولا ورقة واحدة .. فقط عصفورين واقفين بين الشوك على مسافة متباعده. بصيت حواليا لقيت اغلب الشجر اللى حوالينا ورقه اصفر مرمي على الأرض . اتفزعت ... ازاي .. ده مش وقته ! ؟ احنا في الربيع .. الشجر هايموت ؟ يمكن الجنايني اهمل في السقي .. سألت امي و انا مستغربة حصل ده امتى و ازاي يحصل دلوقتي " قالتلي ما تخافيش بعد كل الورق القديم ما بيقع بيطلع ورق جديد شمعي اجمل من الاول بكتير .. قالتها بثقة غريبة بددت فزعي و انقباضي بس سابتني و انا لسه بافكر... طيب ... ازاي الربيع لسه متاخر ؟ . رجعت شديت الستارة و منظر الشجرة الكئيب مش بيروح من عيني.

فتحت شباكي تاني انهارده و الشجرة زي ما هي لسه و لا ورقة واحدة بس العصافير لسه موجوده و كل حاجة زي ما هي.. شديت الستارة ، بس في حته تانية من الذاكرة اللى مش بعيدة شوفت الشجرة زي ما باعرفها بكل جمالها المعهود والشمس داخلة جواها و سمعت العصافير ... قولت لنفسي " ماما قالت ان الريبع جاي و العصافير بتأكد ان الربيع جاي والطبيعة و كل خبراتي السابقة بتقول ان بعد الشتا ربيع و بعد الربيع صيف و خريف .. بصيت تاني على الشجرة و انا حاسة اني باصغر و بارجع لحجمي و باقول لنفسي صحيح " إِنَّ الإنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ "
 
افتكرت في اللحظة دي كل الناس احادية النظرة اللى بتشوف الدنيا بس من واقع ايه بيحصل دلوقتي فقط. حسيت اني نشاز لاني شكيت بسبب لقطة واحدة مقبضه وسط كتير من الاشراق.. وسط كل القوى الواثقة المحيطة . من مكان بعييييد في زهني سمعت صوت بيقولي " فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ " ... قولت لنفسي ساعتها ... لأ بقي..... ده كده اكيد .... الربيع جاي .

الأحد، 27 أبريل 2014

في التوقعات .... حدثني عن ال Zero Expectations



موضوع التوقعات ده موضوع شاغل دماغي بقاله شوية .. عاوزة أعمله إعادة تعريف واتأكد ان الناس فهماه بمعناه الصح ..او على الأقل أحب اشارك الناس تعريفي الخاص المتواضع لموضوع التوقعات ده .. أول استهلال لشرح وجهة نظري تبدأ باستنكاري من الكليشيه اللي " اتهرس " بقاله شوية  في الثقاقة المصرية .. فلو كنت مصري عمرك بين 13  الى 60.. اكيد هاتكون سمعت كلمة عشان تعيش مرتاح خلي عندك zero expectation . اما بقي لو كنتي سيدة او فتاه .. فاحتمالية ان تكوني سمعتي الكلمة دي اكبر و اكبر J

من وجهة نظري المتواضعة اننا ساعات كتيرة بنكون حافظين مش فاهمين .. بتنزل علينا شوية مصطلحات اغلبها مستوردة .. بنسمع عنها وتنتشر على الساحة . بدايتها بيكون مصدر فاهم و بعد شوية يتم تداولها بفهم "بغبغاناتي"  منقوص وهو مجرد محاكاة عشان تكون بس على الموجة .. اكبر مثلين لكده الطاقة السلبية والطاقة الايجابية  وطاقة الجذب المعروفة ب the secret و اخيرا التوقعات . 

موضوع التوقعات ده من احد اكثر الموضوعات شيوعا على خريطة التفكير وعلى ساحة العلاقات في العمل و في الحياة الخاصة و العلاقات الشخصية و السياسة ! و بيتسبب في مشاكل كبيرة في التواصل بين الناس.
ببساطة شديدة ما هو تعريف التوقعات : " هو اعتقاد شديد بان شيء ما سوف يحدث  بالطريقة او بالصورة الذهنية التي تكونها انت" يعني بناء التوقعات ده حاجة شخصية ، ذاتية  .. من دماغك من خبراتك .. من اللى شوفته حواليك من معتاد و مقبول ، من حكاوي الناس و بيأثر فيه ثقافتك ودينك و عقلك و الى اي مدى انت واقعي او غير واقعي ، عقلاني او مطيور ، مبالغ او تعيش على ارض الواقع ، اناني و لا بتقدر ظروف الناس اللى حواليك .... بيأثر فيه ايضاً رأيك في نفسك و رأيك في الناس وخبراتك ....  و اشياء اخري كثيرة. 
عمري ما بعرف افكر في التوقعات غير لما بفكر في مفهوم التوقعات في اطار خدمة العملاء .. بيقولك في خدمة العملاء ان اي سيناريو في الخدمة بيبدأ باحتياج اساسي ، يعقبها توقع انت هتوفي الاحتياج ده ازاي عن طريق جودة الخدمة التي سوف تحصل عليها .. عندك 3 احتمالات : ان تحصل على خدمة متميزة جدا ، او خدمة عادية جداً او خدمة سيئة جداً ..... على فكرة ... في سيناريو رابع و هوانك تروح تاخد خدمتك و انت عندك  zero expectations
الخطوة اللى بعد كده هي حكمك الشخصي بالرضا او عدم الرضا و بيكون نتيجة مقارنة بأنت كنت متوقع ايه و واجهت ايه .. يعني لو كان توقعك محدود و خبرتك في موقف الخدمة اعطتك اكبر من توقعك فبيكون تقييمك ايجابي جدا عن الخدمة.. و لو كان توقعك محدود و اخذت قدرمن الخدمة  مساوي  لتوقعك ، فبيكون حكمك لا مبسوط ولا متضايق.. اما بقي لو كان توقعك كبير وما حصلت عليه اقل بكثير هنا الحكم بيكون  سلبي جداً و تكون محبط.
طيب لو رايح تاخد خدمتك و انت توقعاتك صفر ؟؟؟   دي بقى هاتكون فرصه هايلة اني ابهرك بكل حاجة زيادة اعملهالك . بس ده بيقول ايه عن طبيعة العلاقة ؟  هل ده مؤشر لعلاقة قوية ؟ هل ده دليل اني اعرف عنك كفاية ؟  تفتكر لو انت شركة عاوزة تنجح و تربح و جدية في عملها  وعاوزة تعمل برنامج قوي لخدمة العملاء ، هل ممكن تعمل برنامج لخدمة العملاء شعاره " عميلنا العزيز ... ظبط توقعاتك...  ؟! " سؤال تاني لو انت عميل قديم عندي .. هل من المفروض ان دماغك ما يكونش فيها اي توقع مني كمقدم للخدمة و ده ازاي ممكن يحصل في علاقة استمرت لبعض الوقت و من المفترض اننا استطعنا ان نكون خلالها بعض المعرفة عن  بعضنا البعض كمقدم للخدمة و عميل   ؟ ... مجرد تساؤل ؟ 
طيب الشركات بتعمل ايه عشان تحل المعضلة دي ؟؟ بتعمل ادارة لتوقعات العملاء ..ازاي يعني .. يعني بيكون عندها وسائل تعرف و تسمع  بيها العملاء عاوزين ايه منهم  و يأتي دورها بعد كده  في ادارة هذه التوقعات .. اللى تقدر تقدمه بتقول و بتوضح انها تقدر تعمله و اللى متقدرش عليه  بتوضح بجلاء و ما بتهوبش نحيته بلا استثناءات .

طيب ده في الشركات ..  نعمل ايه في حياتنا الخاصة وعلاقاتنا ومع اللى يهمونا .
لو انت انت الطرف اللى مطلوب منك تنفيذ التوقعات .. ارجوك متحطش على نفسك عبء توقع مبالغ فيه .. لأنك
هاتتعب اوي . أكد اللى تقدر عليه و انفي اللى ما تقدرش عليه .. اوعي تعمل البحر طحينة او تروح في حالة wishful thinkingلأنك هاتفقد مصداقيتك.  ولو انت الطرف اللى عنده التوقعات : حدد التوقعات ... افصح عنها communicate …communicate  . في كل الحالات انت كسبان .. لو الطرف اللى قصادك يقدر يحققهالك هتكون كسبان . لو مش هايقدر هتعرف و المفروض يقولك وساعتها انت عندك مخ تقدر و تقبل او ترفض او ترضخ او تلتمس الاعذار .. علي حسب طبيعة الموضوع و اهميته. 
طيب ايه  المشكلة ان ساعات تكون توقعاتك اعلي من قدرة الطرف الاخر؟  .. انتم بالفعل طرفين باحتياجات وقدرات مختلفة و درجات مختلفة من حب العطاء او القدرة على العطاء ..يعني عادي انك تتوقع ، لأن التوقع من الشخص اشارة و دليل على قوة العلاقة بينك و بين هذا الانسان .. مين فينا ماتوقعش من اخواته و اهله و اصحابه و حبايبه  .. مرة أو مرات ما يقدروش و مرات اخرى يسعدونا و يدللونا .  .. من وجهة نظري ان عدم التوقع من الشخص هو دعوة بائسة لعلاقة بائسة .. توقع و انتظر كل الخير والاهتمام ممن تحبهم وممن تعني لهم شيئاً .. فأنت تستحق و هذا حقك عليهم .  و سامحهم و التمس لهم العذر  ان قصروا عن سهو او قصور في الموارد او الوقت و لكن فرق بين عدم المقدرة و عدم الرغبة ..
 على فكرة ممكن يكون مش مشكلتك ان توقعاتك كتير .. ممكن  بس التوقعات دي مش عند الطرف ده . انت حر تتوقع اللى انت عاوزه و انت كانسان تستاهل ان تطمح الى اي مدي .. المهم يكون عندك العين اللى تقولك توقعاتك دي هاتلاقيها فين .. بمنتهي البساطة لو عايز تشتري حاجة غالية ما بترحش تدور عليها في اخر موسم ال sale  . الشطارة انك تبقى عارف طلباتك هاتلاقيها فين ..  لو عاوز فرصة  رخيصة و ظريفة و عليها تخفيض هتلاقيها في الاوكازيونات اللى بالمناسبة هي فرصة عظيمة لتقليل اسعار حاجات في العادة بتكون over rated .. بس لو فكرنا كويس كام في المية من مشتريات الاوكازيونات بتكون بالظبط هي الحاجة اللى عازونها .. بيتهيألي هي بتخضع لقانون الموجود ،المعروض، المتوافر و تسعين في المية يسري عليها مقولة " لو كان فيه خير ما كان رماه الطير "
حاجة اخيرة و مهمة اوي  .. لو سمعت عبارة  اصيلة زي " اصل انت توقعاتك عالية.. خلي عندك zero expectationعشان ترتاح  " .. دور ظهرك و توجه الى اول باب خروج و اعلم ان طلبك مش هاتلاقية عند محدثك  ...


 


 
 

الثلاثاء، 7 يناير 2014

خالتي اللتاته



عندي مشكلة كبيرة اوي مع الرغي حباً في الرغي في مجال العمل وفي الحياة الخاصة .. ليه ؟

أولا هو مين الرغاي ؟ هو مش حد بيحب الكلام و خلاص .. لأن كلنا بنحب الكلام والفضفضة والحكاوي  بدرجات مختلفة وبنحتاج الناس تسمعنا وبنفرغ طاقة من الكلام في احاديثنا هذه. وكلنا عندنا اهتمامتنا الخاصة والمواضيع اللى نحب نتكلم فيها ، بل نرغي فيها . يبقي مين الرغاي ؟

 الرغاي هو كل حد فينا لما بيفقد احساسه بحق الاخر انه يسمع او لا يسمع حكاياته عن نفسه و تفاصيل تفاصيل حياته وحياه اصحابه و معارفه واللى جنب اللى جنبه  او أي موضوع لا يهمه. بمعني ايه ؟ بمعني انك ساعات تحب تحكيلي حاجات وتفاصيل عن نفسك وحياتك لا تهمني ولا تفرق معايا .. فهل تعي وهل تهتم ... وهل تتوقف ؟  لأ .... انت بتفرض عليا  أسمعك غصبن عني .. ازاي بتعمل كده ؟

 نتكلم علمياً .. في التواصل  بين الناس فيه مرسل و مستقبل ورسالة وردة فعل .. لو انت المرسل وانا المستقبل وحوارك هو الرسالة اللى بتقلهالي. وانت بتتكلم المفروض انك عندك نوع من الاستقبال لردود افعالى ... زي انطباعات وجههي وهزة راسي ، زي ال "هممم" اللى باقولها عشان اشجعك تكمل او لأ . لو بصيت لي  بعد نص ساعة كده من كلامك و لقيتني قطعت  النفس وما فيش تجاوب ، بيتهيألى تحتاج وقتها لتغير الموضوع او تعملي تنفس صناعي.

اختيار موضوعات الحديث برضه بيقول حاجة عني وعنك وعن علاقتنا .. فمثلا الرغي اللى يمس الحياة الخاصة هو الفضفضة اللى بنعملها مع اقرب الاقربين مش المفروض يكون علي المشاع .. طيب لو انت عاوز تقرب لحد ونوعية الحديث دي هاتساعدك وممكن تكون وسيلتك في تعريفه بنفسك؟؟ اعتقد برضه تحتاج تشوف استعداد و تجاوب اللى قدامك وعلى اساسه تقرر تكمل او لأ.

نوع اخر من الرغي مش باعرف اعمل فيه ايه. هو ان يحكيلك محدثك نفس القصة اللى حكهالك قبل كده على الاقل سبعتاشر مرة و "الطريف" في الامر انه بيحكيهالك بنفس عدد الكلمات والتطويل والمؤثرات السمعية و البصرية . طيب فين الأثارة بقي يا عبقري ؟؟

مواقف اجتماعية اخري خلتني اشوف صورة واضحة جدا عن مساوىء ان تكون رغاي.  تخيل نفسك في  زيارة لاحد الاصدقاء او انك في خروجة مع ناس جديدة لسه ما تعرفهاش  قوي ، بس انت خارج عشان تتعرف عليهم . حظك الجميل وقعك في حد من اخوانا الرغايين ..تتوقع اليوم هايمشي ازاي ؟  غالبا اخونا الرغاي  هيتعامل من منطلق نجم السهرة ومذيع الفقرة الأوحد وهايستفرد بالميكروفون وهاتك يا كلام بدون اعطاء اي فرصه لحد تاني للمشاركة في الاحاديث . خطورة ده ايه  يا استاذنا الرغاي ؟ انك ببساطة بتسحب من كل الاخرين حقهم في الاستمتاع و الحديث في موضوعات اخرى تهمهم هما كمان و بتفرض عليهم حالة من الملل و الخرس الاجباري و بتصادر فرصتهم في التعارف على أي حد تاني غير شخصك الكريم . أي انطباع تتركه ؟؟

نوعين تانين من الرغي شوفتهم كتير اوي وعلى فكرة الظاهر انهم مش جداد لأن ليهم وجود ووصف في امثالنا الشعبية .اول هذه الأمثال:  واحد راح يسأل ابوه " يا آبا علمني الهيافة...  قاله تيجي على الهايفة و تتصدر "... قاله طب و النبي علمني الغتاته .. قاله " اللى تقولو عيده و اللى تعيده زيده ".

خلينا نشوف طيب وصية "الهيافة " و ده بيحصل لما بتكون انت بتتكلم في حاجة مهمة جداً .. جد بأه او متضايق او حتى متعصب و حد بيسمعك وهو  "عامل" بيسمعك اوي و "متك على نفسه" و مركز....  و يجي عند اتفه حته في الموضوع و هاتك يا أسئلة تاخدك في حتت فرعية لا هاتقدم ولا هاتأخر ومش في صلب الموضوع..   غالبا الاسئلة دي بتكون لاشباع فضول معين عنده هو لا اكثر ولا أقل..

طيب وماذا عن وصية الغتاتة ؟ الغتاتة بقي هو كما أوضح المثل القديم هو انك تاخد محدثك في صولات وجولات تعيد و تزيد فيها و تلف و تدورحوالين  فكرة بسيطة جداً كان ممكن تقولها في كلمتين فقط ليس الا. على فكرة الناس معندهاش وقت فائض اوي قوي كده .

 .. أنا باحب أسمع الناس جدا على فكرة  و باحب اتكلم طبعأ و الدليل على كده اني باحب اكتب، بس زيي زي كل الناس اهتماماتي و انتباهي انتقائي و دي حقيقة علمية في علم النفس .. انت لن تنتبه و لن تستبقى اي معلومة في زهنك الا اذا كانت تفرقلك بشكل ما ... نعمل ايه طيب ما هو ربنا خلقلنا عدد محدود من " الرامات " زي الكمبيوتر بالضبط .. هدفي الاساسي اوفر راماتي و اقلل من التشويش اللى اصبح ملاحقنا من كل ناحية .. الاهم من كده اني اصبحت حساسة جدا تجاه الناس التي لا تتحلي بالأخلاقيات الاجتماعية والتي لا تأخذ في اعتبارها رغبات الغير و استعدادهم النفسي و اختلاف اهتماماتهم..  

في النهاية ... للمجاملة حدود ..

 

 

الأحد، 5 يناير 2014

" منى"


رن جرس الموبايل برقم غريب لا أعرفه

أتاني صوت المتحدثة بلكنه فلاحي ... " الو .. ايوه يا أبله أميرة .. انا منى "

أتتني منى  من مكان بعيد بعيد  ... صغيرة بضفائر سوداء طويله ناعمة . تذكرت عيونها الواسعة الزائغة في اول ايامها في بيتنا وهي  تطيل النظر وتتفحص كل الاشياء الجديدة عليها .. عيونها الواسعة " المبحلقة " التي كانت تتركز علينا نحن شخصياً و كانت تصيبني بالضيق  فلم تكن قد تعلمت بعد اداب حفظ خصوصية الاسرة  بعدم اطالة النظر او التفحص و التركيز مع اهل البيت . تذكرتها في تفانيها الرهيب في خدمة امي و رأفتها بها و حبها و احترامها لها.  تذكرت صبرها حتى نالت شهادة  محو الاميه و كيف كانت تحضر الدروس الليلية  بعد انتهاء يوم عملها على حساب راحتها و في كثير من الاحيان معارضة والدها. اتتني لمحة اخرى وهي بنت العشرين في يوم عودتي لبيت امي  بعد ولادتي لأبنتي وعلى زراعي ابنتي وهي تتلقاها مني لتحتضنها بحب وكأنها بالفعل واحدة من الاسرة وقد كانت بالفعل واحدة من الاسرة بعد ان امضت في بيتنا ما يزيد عن خمسة عشر عاماً تعلمت فيها من أمي اكثر ما تعلمت فيها من أهلها ..

رجعت للحديث " منى ازيك يا حبيبتي انت عاملة ايه و ازي ولادك و جوزك .. الحمد لله يا ابله أميرة .. ازي ندى؟  .. انا اسفة يا أبله اميرة انا لسه عارفة دلوقتي على الحاج .. البقية في حياتك .. حياتك الباقية يا حبيبتي .. مالك بتنهجي كده ليه .. لأ بس زعلانة على الحاج .. طيب اقفلي أنت انا هاكلمك .. لا و الله يا أبله أميرة ..طيب ما تزعليش يا منى و يا ريت لما تيجي مصر تعدي علينا  احب اشوفك . .. حاضر يا ابله اميرة .. بس و النبي خلو بالكم على الحاجة " كانت هذه هي اخر كلمات مني قبل ان تنهي الاتصال .

اثار في هذا الاتصال مشاعر كبيرة جدا لان القيمة التي حملها كان اكبر بكثير من مجرد مكالمة من شخص استوحشته او تليفون تعزية ..بل قيمة الحب و الوفاء والاصالة من شخص بسيط جدا تربى في بيتك وصان عيشك و ملحك و أحبك بصدق بدون ان يستكثرعليك اي نعمة او تمتد يده لسرقتك . وها هو ذا لا يزال يحبك و يعني بأمرك من عن بعد .. اخذت افكر كثيراً ليه الناس الاكثر بساطة تكون اكثر اصالة و جدعنة و اكثر حفظا للجميل .. ليه مشاعرهم صادقة وعميقة وحقيقية بهذا الشكل ؟ طبعا ليس هناك مجال للتعميم .. بس انا بالفعل أميل الى البسطاء عندما تصح نفسياتهم .. يمكن لأن اغنياء هذا العصر قد ساءت طباعهم و معاملتهم للأبسط حالاً وسادت بينهم المغالاة في اشياء كثيرة تخصهم وغلت يدهم عما يتعدى رفاهيتهم الخاصة المبالغ فيها ؟  ..... برضه لا يصح التعميم فالدنيا مليئة بناس كثيرة محسنة و متصدقه و حسنة الاخلاق  . الا ان عمق العاطفة و الحب وهذا الصدق الشديد و الجدعنة لا تراها بالفعل الا من ناس ظروفها المادية ضيقة و لا تأتي ابدا من رفاهية ..

تذكرت احد الحوارات التي سمعتها مؤخرأ عن احد العائلات المتوسطة جدا والتي تشهد زواج احدى بناتها والتي روى لي محدثي كيف ان الابنة الكبرى تساعد اختها الصغرى  في بعض بنود جهازها تخفيفاً عن ابيهما في نفقات الزواج .. كيف كانت تدخل في جمعيات من مرتبها  لتحافظ له على وديعة مالية في احد البنوك لتساعده في عيشه بعد ان احيل الى المعاش .. من خبرتي و مما رأيت حولي هذه الافعال و هذا الاحساس العميق بالغير لا يصدر الا من الابسط حالاً .  

كل ما باشوف هذه التصرفات الجميله تأتي من ضيق حال ، اتأكد ان الكرم و العطاء لا يأتي بالضرورة من سعة يد او ووفرة و أتأكد ان ربنا وزع الميزات على الناس و ان مزايا كل وضع غير شاملة وافيه مهما كان وضعك عالى وكبير من حيث الرزق . سعيده جدا ان ربنا بيحط في طريقى ناس عظيمة اتعلم منها حاجات جميلة  واشوف فيها كل هذا العمق ...

 

 

الأربعاء، 31 يوليو 2013

"زرع بصل "

 
لما كنا صغيرين في المدرسة كلنا مرينا بتجربة الزراعة .كان الهدف وقتها اننا نتعرف على اجزاء النباتات من الجذور والساق و الأوراق. فيه منا اللى كان يزرع بصل او يزرع بذور فول او حلبة او عدس . زراعة البصل كانت الأضمن والأسهل و الأقل مجهود . يا دوب تحط البصلة في برطمان المربي الفارغ  مع شوية ميه ، تغيرها او تزودها كل كام يوم . مجهود قليل ونتيجة تكاد  تكون مضمونة. بس انا لو فاكرة حاجة عن التجربة دي فاكرة منظر الفول المزرع و الممتد في لون اخضر نضر ملمسه رائع و كذلك الحلبة فاوراقها جميلة ودقيقة للغاية ، برغم ريحتها اللى ما حدش بيحبها . فاكرة برضه اننا على قدر صغرسننا ،كان عندنا قدر من المسئولية تجاه زرعنا. كنا بنتابع زرعنا يا نسقيه او نبلل القطن بقطرات المياة ، يا ننقله ناحية الشباك عشان الزرع بيحتاج للشمس عشان يزهزه و يخضر . او مجرد بس نبص عليه . مين فينا مازرعش زرعة و هو صغير ؟
بقالي فترة بفكر في موضوع الزراعة ده و حاسة ان الزراعة قانون للحياة باكملها بس احنا بس ساعات بننسي . هي الحياة ايه غير بذور بنرميها مع امل ان تنمو في يوم من الايام؟  منها بذور سريعة النمو ومنها نباتات متوسطة الأجل و ففي وسطها نباتات عشوائية طلعت بالصدفة  مثل النباتات التي تنمو على جانب الطريق و في وسط المحاصيل الأخري.  كنا زمان  نقول عليها زرع  شيطاني بس علمونا نسميها باسم افضل ... نسميها زرع رباني .... وفيه انواع اخرى من النباتات تزرعها  ايدي اجيال و تشوفها اجيال اخري .. زي النخل مثلا.  
بس في وسط زحمة  الحياة والتشتيت ، ساعات الانسان بينسي القوانين البسيطة ... مع ان حياتنا غالبا ما بينفعش معاها قدر القوانين البدائية ..  وأحد قوانين الزراعة البديهية هو ان زرعك من نوعيه بذرك و انه على قدر مجهودك واهتمامك ومتابعتك  لزرعك على قدر جودة محصولك . القاعدة التانية في الزراعة هي قاعدة التوقيت .. انا امتي هارمي البذرة .. دلوقتي ولا بعدين ..  ماهي النباتات ليها مواسم و ليها توقيت.
ومن نفس فكرة الزراعة كفكرة و كقانون عظيم منظم للحياة اتعلمت ان الصبر من اكبرالقيم بل يكاد يكون من امهات القيم قي الحياة ..  ماهو بعد ما ترمي البذرة بايدك لازم تفضل حواليها  تراعيها وتتابعها بنفس شغف و اهتمام الطفل بزرعته  . وساعات زرعتك تمرض و تحتاج العلاج و تكاد تفقدها  وساعات مجهودك بيقل او ينعدم لما تركز في زرعة تانية . وطول الوقت تبقي برضه عارف ان فيه قوى اكبر منك ممكن تيجي في ثانية تقلعلك زرعتك ومكن نفس القوي  برضه تبهرك بخير كبير غير متوقع لم يكن يخطر على بالك و لا اصلا من صنع يديك.  
ومع فكرة الصبر تاتي فكرة الوقت .. فكرة انتظار نضوج الزرع و مروره بدائرة نموه و دائرة مخاطره و احتمالات المكسب و الخسارة  . نفس فكرة الوقت دي لازمة لكل شي خلقة الله لاكتمال دورته او تغير حاله من حال الى اخر فليس هناك شيء نقول له كن فيكون. الوحيد القادر على هذا التبدل السريع هو الله  .. فالصغير يلزمه وقت لكي ينمو و المريض وقت لكي يشفي و المشاعر و الحاله النفسية لكي تتبدل او تتطور.  و الظروف لكي تتعاقب في ترتيب معين. ما فيش حاجة تمسها العصا السحرية فيتغير حالها في التو واللحظة الا في خيالنا فقط او بفعل المخدرات.  
و بالرغم ان قانون الزراعة قانون بسيط و قواعده بديهية فيها التخطيط وبذل الجهد و الرعاية و فيه المخاطرة و اللا ضمان و فيه احتمالات الكسب الوفيرالا اننا ننساه كقانون منظم لحياتنا .. اللى بينسى يزرع او اللى بيكسل او  بيزهق في النص او اللى يزرع و يهمل زرعه او اللى يعتمد على زرع غيره او بيزرع في الحتت الغلط او تفوته المواسم  . و لو انا اتعلمت حاجة طول حياتي هاتكون من وقت تجربة زراعه البصل و الفول و الحلبة... فعن تجربة  شخصية وعن يقين:  أغلب الدروس التي تلزمنا بسيطة  نتعلمها و نحن صغار ولكن نعيها ونحتاج أن نتذكرها نحن كبار .  
 
  

السبت، 27 أبريل 2013

أنت لا تنزل نفس النهر مرتين

   
 " أنت لا تنزل نفس النهر مرتين "
وجدت نفسي مؤخرأً افكر في هذه المقولة و في اتساع الاحتمالات التي تحويها .. فعلأ ليس هناك تكرار لأي تجربة حتى و ان كنت انت نفسك و ان كان " النهر" نفس النهر، لانه في كل لقاء تختلف الظروف حولكما فلا تكون انت نفس الشخص و لا يكون النهر نفس النهر بنفس الثبات ، فالتجدد اذن هو الاحتمال الاكبر المستمر وسنة الحياة والثبات هو عكس وضد كل صور النمو في الحياة. اذا سلمت بهذه المقولة وهذا الافتراض سوف تسلم بانك متجدد في مختلف مراحل حياتك و حتى على مدى فترات زمنية قصيرة جداً قد تكون اسابيع و ايام و حتى دقائق و ذلك لأن نظرتك تتأثر بظروف الموقف و ظروف حالتك النفسية وتوقيت الحدث وخلفياته .. قد تحاول ان تكون موضوعيا بالتدريب الا ان الموضوعية قد تبدوا صعبة جداً مع هذا الافتراض لأن ترمومترالقياس غير ثابت و كل ما حوله غير ثابت.
هذا من ناحيتك .. اما من ناحية الاخرين فانك تندهش جداً من ديناميكيات تفاعلك المختلفة مع شخصيات مختلفة .. فبينما انت انت نفس الشخص، الا ان ردود الافعال والاراء تختلف حولك فتجد من يعجب بك ومن يحبك جداً ، و ايضاً من لا يفضلك أو لا يستسيغك أوحتى يكرهك.. وبينما في الواقع انت انت نفس الشخص الا ان صورك تختلف مع اختلاف الشخصيات و الادوار .

حتى اذا نظرنا الى الطبيعة فهي من شأنها التغير ، فتتغير الفصول و تختلف درجات الحرارة ما بين يوم و اخر و ما بين الليل و النهار .وعلى نفس الخط كل شيء خلقه الله له ظروف وصور متغيرة فالقمر ينمو ويكبر ثم يصغر ويتضائل .. والشمس تتغير حرارتها على مدى النهار الى ان تغرب و تخبوا لتعود في يوم جديد . نفس الشمس ذاتها تختلف درجة سطوعها وحرارتها من بلد الى بلد على حسب موقعها الجغرافي ولكننا اتفقنا على تسميتها نفس الاسم و الصفات ... اسميناها شمسأ في كل مكان في العالم و اتفقنا علمياً على وصفها و خواصها.
اذا سلمت انك متغيردائماً فما هي الاحتمالات والفرص التي يجلبها هذا الافتراض؟ هذا الاحتمال يسع فرصاً كثيرة لكل من فاته شيء لأن بقاء الحال من المحال. فمن فاتته فرصة فلعل فرصته قادمة في مرحلة اخرى .. و اكثر الناس وعياً هم من ينتبهون الى هذه الحقيقة فاذا كانوا على القمة يظلوا متيقظين ليبقوا كذلك ،كي لا يكون التغير عندهم تغيراً سلبياً.

نفس فكرة التجدد تلغي التشاؤوم تجاه الاشياء والمواقف والاشخاص الذين جمعتنا معهم تجارب سيئة و تعطيهم المزيد من الفرص .. و في نفس الوقت، نفس فكرة التغير لا تعطي اي ضمانات للحفاظ على أي مكسب في الحياة حتى و ان كنت تعبت جداً للحصول عليه ، فيجب ان تظل تعمل ان لم يكن لتنميه فعلى الاقل للحفاظ عليه لأن في دوامة التغير هذه لا شيء مضمون . 

الجمعة، 9 نوفمبر 2012

على سفر

 
الله واحد ولكنه خلقنا لنعيش اثنين وثلاثة وأربعة في ذات الوقت.. نعيش في اللحظة بكل عنفوانها وتركيزها ، محملين بالذاكرة متطلعين للمستقبل . نعيش الواقع والخيال والمعقول واللامعقول .. نعايش مختلف الاحتمالات من الأمل وانقطاعة وتجدده . نؤدي عشرات الأدوار في مختلف السياقات ونرسم الخطط . وتحت اغراء الوسع و اللامحدودية ، تنفصل ارواحنا وعقولنا وترحل بعيداً لتصاحب آخرين وتتقمص ادوارا ليست لها وتعود لا محالة لتلقي بجسدها بجذرها واغلالها.. ونعيش الدنيا وننشغل بها بكل تفاصيلها اليومية وهي ليست بيتنا ولا دارنا . ياله من سفر دائم و يالها من تعددية وازدواجية مقلقة و ثرية ورحبة رحب ووسع الحياة نفسها.