الثلاثاء، 26 مايو 2009

الجميلة النائمة

حانت مني التفاتة إلى الجميلة النائمة بجواري متدثرة بالغطاء . نظرت إلى كتفيها وذيل حصانها الطويل الملموم إلى الخلف في فوضى محببة . تحركت بعيني أتأمل بقية جسدها والحيز الذي تشغله في الفراش والذي ازداد تدريجيا مع مرور السنوات الإحدى عشرة الماضية. قبلتها وهي نائمة وابتسمت لها ابتسامة معزة ، سعيدة بالانتماء والمسئولية عن هذا الكيان الذي ينموا بقربي، تحت نظري ويدي يوم بعد يوم.
ويبدوا أن هذا المشهد في هذا اليوم بالذات قد أثار في أحاسيس قوية من الأمومة تعرفها الأمهات جيدا ولكنها قد تنسى في زحام تعاملات كل يوم بشده وجذبه خاصة عندما تكبر البنات فتسود العلاقة الكثير من الحوارات والمناقشات ثم المناقشات وايضاً المناقشات ثم الطلبات التي لا تنتهي أبدا ومن الممكن أيضا بعض الانتقادات. ابتسمت لها و قبلتها وأنا احتضنها بعيني وقلبي وأدندن "غمضت عيوني خوفي من الناس يشوفوك مخبا بعيوني " *


طالما أتذكر ويحلوا لي بين الوقت والآخر أن أتندر على نفسي في أول لقاء لي مع ابنتي وقد كان ذلك فور ولادتها وقد كنت شديدة التعب، خائرة الأنفاس وكان السؤال الأخير الذي نطقت به قبل أن أسلم نفسي للنوم هو "البنت كويسة ؟" استفقت بعد مدة وهم يضعونها على صدري، لأنظر إليها نظرة واحدة فقط وأتذكر أنني لم اسميها بعد ، ولكن غير مهم أنا متعبة "شيلوها" . "حقيقة .... ونعم الأم !"


وتتطلبني بعض الراحة لأستجمع قواي وابدأ رحلة أمومتي التي أخذت اتجاها مغايراً منذ أن بدأت التعرف على هذه الوليدة الصغيرة. أتذكر أجمل وأعمق إحساس شعرت به في حياتي على وجه الإطلاق وأعتقد انه من أحد التجارب القليلة التي لا تزال تأخذ نفسي وتأسر روحي كلما تذكرتها. تولد هذا الإحساس مع بداية إرضاعها . و بالرغم أن الرضاعة نفسها لم تكن التجربة المفضلة عندي ، فقد كنت مهتزة بشدة من تغير نوعية دوري في الحياة إلى مجرد مرضعة ومغيرة حفاضات ، إلا أن الجو المحيط بهذه العملية جعلها تجربة احتواء بكل ما تحمل الكلمة من معاني.


إلى الآن لا أنسي جلستي على فراشي محتضنة هذا الكائن الصغير، جسمه مرتكن على زراعي ووجهه قريب إلى وجهي ونفسه في نفسي وعيونه في عيوني واليد الفائقة الصغر ذات الجلد الناعم وكأنها من الجنة متشابكة مع أحد أصابع يدي اليمني. أما قمة المتعة فكانت تأملي للعيون الصغيرة التي كانت تتفتح يوماً بعد يوم والرموش التي كانت تزيد رمشاً رمشاً بين يوم وآخر. كانت مطالعة عيون ووجه ندى وتعبيرات وجهها وهي تجاهد في أولى مهماتها في الحياة للحفاظ على حياتها وكفاحها في سبيل" لقمة العيش" هي تجربة استمتاع شغلت كل حواسي في ذلك الوقت وتركت بداخلي ذكرى راسخة لا أنساها مع مرور الزمن .


وبعد مرور السنوات، ها أنا أتأملها وأنا أفكر إنني لم أعد لها ذلك الكائن العملاق ، كما لم تعد هي ذلك الكائن الدقيق المكافح من أجل حياته ، بل المكافح من أجل استقلاله . أنام وأنا أفكر في المزيد الذي ينتظرني كشاهد وراعي لكل لحظة من لحظات نمو وتطور هذا الإنسان. حقاً .... مسئولية كبيرة !!!!




* من أغنية سألوني الناس لفيروز


أميرة المسيرى


* من اللحظات القليلة في الحياة التي تأخذ الأنفاس

الأربعاء، 20 مايو 2009

في عيد ميلادي السادس والثلاثين



نظرت إلى الساعة في هلع
" ياه.... الساعة تسعة إلا عشرة .. الظاهر مافيش فايدة فيه ابدأ . كل يوم أنوي المحافظة على ميعاد العمل ولكن تاتي لحظات "اللكاعة" الأخيرة لتفسد نواياي الطيبة.


لملمت بقية أغراضي سريعا وخرجت وأغلقت باب شقتي ورائي . نزلت على السلم بخطوات سريعة وفي ثواني كنت في الشارع . وقفت للحظة أنظر يمينا ويسارا محاولة تذكر أين ركنت سيارتى في اليوم السابق. أتذكر سريعا.. وأتابع خطاي السريعة في اتجاه اليسار، شنطة يدي على كتف وشنطة "اللاب توب" على الكتف الأخر.


لفت نظري أنني أتحرك بهمة ونشاط وثقة أكثر من كل يوم . وبالرغم من إننا في الصيف والأيام السابقة كانت حارة للغاية ، إلا أن الجو كان أكثر من رائع . شعرت بشعاع لطيف معتدل للشمس يتخذ طريقة من بين الأشجار المصطفة على جانبي الطريق ويصل الى خصلة من شعري. بينما أتابع خطاي الحثيثة نحو سيارتي، حلا لي أن انظر إلى الشارع من منظور أوسع ، فمددت نظري إلى أبعد من مكان سيارتي في منتصف الشارع. وأمتلأت برغبة أعمق في التمعن في شعور استمتاعي البسيط ، فرفعت عيني أنظر إلى السماء، فطالعني اصطفاف الأشجار الفارعة في شارع بيتنا وشعاع الشمس النافذ من السماء . لم تستغرق هذه الأحداث سوى لحظات لكنها تركت داخلي شعور بالراحة والاسترخاء.


توقفت أفكر قليلا بينما أفتح باب سيارتى ... ما بي اليوم؟ ما هذه الثقة ؟ ما هذا الاسترخاء ورواق البال.. ..... لا شئ محدد... .. أه ... تذكرت بعد أسبوع عيد ميلادي الستة والثلاثين. يمكن عشان كده ؟؟ 


ممكن يكون هذا هو السبب ؟ غريبة !!!!!، فالكبر بعد مرحلة معينة عامل قلق وليس عامل فرح ... لكني على العكس كنت أمشي فارده قامتي ، أدق الأرض بقدمي بمنتهى الثقة ، حاملة معي سنوات عمري الستة والثلاثين بفخر وراحة مع النفس. ضحكت من نفسي. "ده إيه يا ست الثقة دي كلها؟؟" و رددت على نفسي "طبعا... وليه لأ، مادمت متحققة بالقدر الذي يكفيني ويغنيني ويملأني."


هل هذا هو الرضا ؟ هل توصلت أخيراً إلى قدراً لا بأس به من الرضا ؟  بعد ان مرت بي سنوات طويلة و أنا أقول "مش كفاية ..... لسه كمان."


لكن النهارده، لسبب ما كنت أمشي مفرودة القامة وأشعر بكل ما في جميل و كل ما حولي جميل . كنت أشعر بان سنوات العمر هي فرصة وهدية من الله يعطيها لنا لنفعل بها ما نشاء . لنجرب ونخطئ و نتعلم . عادي أن نأخذ قرارات خاطئة . مشروع جداً الا نعرف الطريق ، فنتحسس خطانا ، نخاطر وننجح  ولا مانع من أن نتعثر مرات إن كنا سنقوم  أقوى .


النهارده ... ضبطت نفسي و أنا أربت على كتف نفسي وأقول لها برافو على كل النجاحات والإخفاقات ، على كل المحاولات. أن شاء الله اللي جاي يكون أجمل و أسعد........... ضبطت نفسي أيضا أنظف الدواليب القديمة وأطوح ببعض ما يثقلني من شباكي في الدور الرابع لتسقط على الأرض ، فتتفتت مليون قطعة، فتفديني ...فأعيش عاماً جديداً ...... . كل سنة وأنا طيبة .

أميرة المسيرى