السبت، 13 يونيو 2009

اليوم زرت مدرستي


اليوم زرت مدرستي
زرتها بالفعل
لأول مرة أدخلها منذ تركتها عام 1991 .
هل تركتها منذ 18 عاما ؟ !!!


لم تكن زيارة خيالية في عقلي أو حلم من أحلام يقظتي المتكررة التي كان يحلوا لي الإنغماس فيها بين وقت وأخر،أسترجع فيها صور متفرقة من الماضى وأٌشبكها في خيط لأكمل صورة عن ذكرى ممتعة وأيام كلها براءة و سعادة . كانت الزيارة هذه المرة زيارة حقيقية من صنع يدي. سعيت لها و شاركني فيها أصدقائي بشحمهم ولحمهم.


كنت أفكر كثيراً في المدرسة والأصدقاء هذه الأيام وهذا ما دعاني أولاً إلى كتابة القطعة الخاصة بذكرياتي عن المدرسة ثم إضفتها على الفيس بوك ليشاركني إياها كل زملائي . وإذا كان هناك أثر لشيء جيد فعلته طوال حياتي ، فلن يكون أفضل مما حدث. دون أن أدري أو أقصد أثرت ذكريات الجميع فيما يبدوا، فقد أجتمعنا جميعاً على حب مدرستنا وحب بعضنا البعض وحب هذه الفترة من حياتنا.


و أكثر ما بهرني بكل ما تحمل الكلمة من معاني هو أنه عندما بدأت التقليب في الصفحات القديمة تدافعت الذكريات وكأنها موجة عالية مثيرة أتت الى حياتي جالبة معها شخصيات جميلة من الماضي لم تفقد اثارتها برغم قدمها. أتوا من فصل بعييييد من فصول حياتي . لم يأتوا صغاراً قصيري القامة بل رجالاً و نساءاً لكل منهم سحره وشخصيته. عاد "الأشقياء" لنعيش معاً نقطة التقاء الماضي بالحاضر بكل ما يحمل من جمال وتشابك ممتع.


التقينا يوم السبت الماضي في نادي اليخت بناءاً على دعوتي لجميع أفراد دفعتنا على الفيس بوك.
لم يهمني أن يحضر كل الناس ،لأني كنت أعلم صعوبة هذا ولأني كنت واقعية. وددت فقط أن نبدأ.


وبرغم برودة الجو الشديدة في ذلك اليوم ، حضر عدد لا بأس به. كان من بين أول الحاضرين " نادر"، "و داليا أ"، و"سالي" و"طارق" الصديق المفقود الذي أنقطع الاتصال به لمدة تزيد عن عشرين عاماً. وحلا لي أن اُذكر طارق بذكرى أحفظها له منذ أن كنا صغاراً في الحضانة . وكان ذلك تقريباً في عام 1977 . كان ذلك الوقت الذي تلى نصر أكتوبر مباشرة حيث كانت ذكرى الحرب ومشاعر النصر لا تزال ساخنة في العقول والقلوب وساعد على تأجيجها إعلامنا الجليل ذات القناتين الوحيدتين والأغاني الوطنية مثل "ماشين .. شايلين في إيدنا سلاح" و "يا حبيبتي يا مصر" وغيرهم طبعاً من الخطب المكثفة للرئيس السادات التي بدت كثيرة جداً لنا وقتها لأنها كانت تتسبب دائماً في إلغاء برامجنا المفضلة. هذا بالأضافة طبعاً الى أكثر مشاهد طفولتنا إبهاراً على الأطلاق هو مشهد الرئيس السادات في العريبة "الكابريوليه" المفتوحة وهو يلوح بكل رصانة للجماهير المصطفة في الشوارع وهي تهتف بحماس ملتهب لم أفهمه وقتها " بالروح بالدم نفديك يا سادات".


عشنا سنواتنا الأولى تلك تحت وقع هذه المؤثرات والتعبئة الإعلامية العنيفة فكان من الطبيعي أن تتأثر شخصياتنا و تفكيرنا وأكيد العابنا. فماذا كانت لعبتنا المفضلة في ذلك الوقت.... هل يستطيع أحد التذكر ؟؟؟ .


كانت الحرب بين مصر وأسرائيل هي اللعبة اليومية المحورية والتي اذكرها بمنتهى الحماس حتى الآن. وكلما تتطل هذه الذكرى في رأسي أتذكر بطلاً محدداً ...... طارق


كانت حضانتا طبقاً لما أتذكره مقسمة إلى منطقيتن ، الأولى تشمل فناء واسع أرضه من الرمل وبه "الكانتين" في ناحية وبعض المراجيح و"السيسو" في ناحية أخرى. أما مسرح "الحرب" فكان منطقة أخري مليئة بالاشجار القصيرة ذات الفروع السميكة التي أتاحت لنا سهولة تسلقها وتحملت وزن أجسامنا الصغيرة . فماذا كان يدور في ساحة الحرب ؟
مبدئياً كانت هناك بوابة خشبية قصيرة كبوابات الحدائق الخاصة وكان عليها حراسة من الأولاد "الجنود" طبقاً للعبة. "البنت اللي لها أخ في الجيش ممكن تدخل واللي ملهاش متتدخلش." هكذا كان الأولاد يصيحون فينا بعصبية وبمنتهى الجدية! . طبقاً لهذه الشروط لم أكن أدخل في أوقات كثيرة ولكني كنت أتحين الفرص لأدخل وأتفرج حين تتاح الفرصة. فماذا كنت أرى ؟ "طارق" وعدداً أخر من الأولاد موزعين بين اللأشجار متخذين حركات بهلوانية والبعض الأخر منبطح على بطنه واخرين يمسكون فروع الأشجار كأنها "البنادق والأسلحة". . أما المؤثرات الصوتية، فحدث ولا حرج فقد كنا في حرب ويمكن تصور أنواع الأصوات من طاخ وبوم و قنابل وصريخ وزعيق إلى آخره.


هكذا كان واقع أيامنا وهذه كانت ألعابنا. وبالأضافة إلى الأفلام والأغاني وأحاديث الكبار التي عمقت من صلاتنا بالحرب والبطولات، كان لنا كصغار أحاديثنا أيضاً المرتبطة بالحرب. كان ذلك الوقت الذي كان للظابط قيمة عظيمة في عقولنا ، كانت صورة للبطولة . لم أنسى يوماً سؤالي لصديقة من صديقاتي " انتي باباكي بيشتغل ايه؟ " أقسم بالله انه حتى يومنا هذا أتذكر طريقتها ولدغتها وقد كنا صغاراً لم نتعدى الخامسة " بابا ظابط وهو زملاؤه هما اللى حرروا ( ثيناء) " واتذكر هذا الحوار ولا يسعني إلا أن أبتسم لك يا نيفين من عن بعد علك تقرأي كلامي هذا.


ويقطع علينا ذكرياتنا وصول "رانيا" ونقوم نستقبلها وتجلس" راينا " فرحة جداً ومتحمسة ولكن مخضوضة شأنها شأن معظم الناس عندما يطول الغياب. ثم تاتي "رشا" الصديقة الأولى لي و "داليا ف" أكثر بنات دفعتنا مشاكسة وخفة دم وبعد ذلك "هيثم"، وأخيراً "أحمد" و"رانيا" زوجته. وتشتد برودة الجو فنتتقل إلى أحد القاعات المغلقة بالنادي لنسبب إزعاجاً شديدأ للحاضرين كاد أن يتسبب في طردنا من المكان. وبالصدفة أقابل "مسيو بركات" مدرس اللغة الفرنسية في وقت الثانوية العامة فأفرح كثيرأ وأسلم عليه بمنتهى الشوق والمعزة . مش قولتلكوا " النكش في الذكريات القديمة ، جاب ناس عزيزة "


ثم طرأت علينا فكرة مجنونة. فكرة لطالما فكرت فيها وكانت حلم بالنسبة لي . "إيه رأيكم نروح المدرسة إنهارده ؟ إللي معايا يرفع إيده "........" أغلبية.... بيقى كلنا رايحين."


وفي طريق خروجنا من نادي اليخت نتوقف للحظات نفكر في خطة دخول المدرسة فقد كان اليوم أجازة والمدرسة مغلقة و حتى أن كانت مفتوحة فلن تكون مفتوحة للغرباء بدون إستئذان. و كان لدينا اختيارين أما أن ندخل بطريقة مشروعة من باب الدخول مستأذنين من الحارس الذي يٌحتمل أن يرفض، أو أن ندخل متسللين من باب الجامع الخلفي الملحق بالمدرسة. أستعرضنا سوياً هذه الاختيارات مع التأكيد على "عدم التبجيع و البلطجة " في حالة ضبطنا إذا دخلنا متسللين.


وأنتهينا إلى محاولة الدخول بالطريق المشروع من البوابة حتى إذا تطلب الأمر إرسال أحد العاملين معنا... وقد كان. وفتحت البوابة لنا ودخلنا المدرسة مرافقين بالحارس العجوز "عم محمد" الذي كان في يوم من الأيام من أصغر العاملين بالمدرسة ...... يااااااااه نفس المكان ، نفس التخطيط ونفس الروح ولكن يد الزمن هناك لا مفرمنها .


" فالنبدأ أولاً بالفصول يمين البوابة ....... يالا نجري؟" .. ... وجرينا يقتلنا الفضول والحنين . ومشيت مشدوهة التفت حولي يميناً ويساراً أحاول أن أجمع بعيني كل الصورة وأسترجع كل الذكريات والأحاسيس .... جريت بسرعة أنظر من زجاج الفصول..... أنظر إلى المقاعد الخالية المرصوصة في صفوف، ولكن نظرتي كانت زائغة لأني كنت أحاول أن ألم بكل شيء بسرعة فلم يكن عندنا سوى عشر دقائق سمحوا لنا بها وكان من السهل خرقها ولكني كنت أضع الحارس العجوزالذي كان يرافقنا في الأعتبار .مشيت مشتتة قليلاً وفرحة كثيراً أحاول أن أوفق بين أحساسي بالماضي وصوره وأحساسي بالحاضرورفقة أصدقائي ومحاولتي إلتقاط أكبرعدد من الصور لأحفظ ذكرى اليوم الحالى لعلمي إنها ستغلوا عندما تقدم.


مشينا بجانب الفصول ومن أجمل ما في فصول مدرستنا للمرحلة الإبتدائية هو أنها مقامة على مستوى واحد فقط، لها واجهة زجاجية طويلة ومحاطة بمساحات كبيرة من الخضرة كانت تجعل السرحان في العالم الخارجي أمراً لا يمكن الفرار منه ...مجرد النظر في الخضرة كان متعة. لا أعرف لماذا تذكرت النحل بشدة وأنا أمشي . تذكرته بطريقة غير مؤلمة بل بطريقة محببة تذكرته مرتبطاً بالورد الذي كان يملأ المدرسة عندما كان الأهتمام بها أكبر.


كانت هذه المنطقة بالذات من المناطق المفضلة لدي في المدرسة . ممكن لأنها كانت ترتبط في ذهني بنوع من أحلام يقظتي وأنا صغيرة وذلك بسبب أحد القصص المدرسية لا أتذكر بالضبط أسمها ولكنها كانت تحكي عن طفل أسمه أسامة غلبه النوم يوماً هو في حديقة منزله فحلم بانه صار عقلة الأصبع وقام بمغامرة مثيرة هو وأخته أماني في عالم النحل . طار وغامر وتعرض للأخطار . ومن خلال هذه القصة تعرفنا على معلومات مفيدة عن النحل والعسل و فؤائده. لهذا اذن تذكرت النحل!.... فقد كان يحلو لي السرحان في أثناء الحصص والنظر من خلال الزجاج على الحديقة والخضرة والورود والنحل المحبب. " يا ريتني كنت معاك يا أسامة"


تذكرت ايضاً الجراد و انا أتجول في المدرسة، فقد كان يحلو للأولاد اصطيادة في أكياس البلاستيك الخاصة لوجبة "اللنش" التي كانت توزع علينا . فعلى أيامنا كان هناك مطعم كبير في المدرسة ولا يزال ، كنا نأكل به الوجبات الساخنة من أرز وخضار ولحم وفراخ ومكرونة وكان الحلو فاكهة أو جيلي. بعد مرحلة، توقفت هذه الوجبات لأنه يبدوا أن تكاليف وعبء إدارة المطعم كانت كبيرة على المدرسة. بعد ذلك تم استبدال الوجبة بعدد ثلاث سندوتشات و بيضة مسلوقة ، بعد ذلك أستبدلوا الوجبة بالبسكوت وكان نوع واحد من البسكوت " الويفر" بالكريمة البيضاء ظللنا نـأكل منه حتى تخرجنا وكنا وقتها لما نشوفه بره المدرسة يجيلنا "أرتكاريا" . من فترة كنت مع أبنتي في السوبر ماركت وفوجئت بها تشتري من هذا النوع من البسكوت وأكتشفت أنه من الأنواع المفضلة عندها . ضحكت كثيراً وقتها وقلت ده أكيد ورثته في الجينات من كثرة الكميات التي استهلكتها أنا منه.... عودة ثانية لأكياس البلاستيك بتاعة السندويتشات وكانت تستخدم أما في الفرقعة أو في صيد الجراد المسكين الذي كان يصطاده الأولاد في الأكياس محاطاً بقليل من الزرع. وكانوا يجرون خلفنا بهذه الاكياس لعلمهم بقرفنا من هذا الفعل.


وانتقلنا إلى ، منطقة طوابير الصباح وكانت عبارة عن رقعة من البلاط وسط خضرة المدرسة اللا متناهية على عدد كبير من الأفدنة . بجانب طوابير الصباح كنا ناخذ حصة الالعاب في نفس المنطقة وكنا نقيم حفلات آخر العام الرياضية في نفس المكان. ساعتها كان يتم وضع بعض المقاعد الطويلة للمتفرجين وكنا نؤدي التدريبات الرياضية على أغنيات محمد ثروت الوطنية الشهيرة في ذلك الوقت... فالتعبئة الوطنية استمرت ولكن بأشكال مختلفة.


حقيقي مدرستنا هذه لو قرروا إقامة عشرمدارس على أرضها ، سوف تتسع لهم. وهذا هو السبب في ان المدرسة تقوم بتاجير ملاعبها للمدرسة الامريكية كما يوجد بها حمام سباحة كبير، علي ايامنا كان مهملاً للاسف ولكنه الان بعد إعادة تشغيله أصبح مكاناً لتدريبات السباحة في الصيف كما أنه يدر ربحاً على المدرسة.


وانتقلنا إلى منطقة فصول الإعدادي والثانوي وهي فصول من دوريين مقامة على عواميد دائرية . كان الفراغ بين العواميد وارتفاع الدور الأول هو مكان وقوف الأساتذة لإدارة طابور الصباح ومكان الإذاعة المدرسية وكنا نحن نقف في الطوابير في جزء من الرقعة الامامية الخضراءالتي تمثل جزءاً لا يذكر من ملاعب المدرسة الخضراء. وعند تذكرنا لتحية العلم أتى ذكر "عبد الخالق" أحد الأولاد الأساسيين الذين كانوا يحيون العلم في المدرسة من دفعة أكبرسناً. و قد كان رمزاً للاخلاق والرجولة عندما تظهر مبكراً على الولد منذ الصغر. كانت قد مضت سنوات بعد المدرسة ونسينا عبد الخالق إلى أن أتى أسمه مرة ثانية مرتبطاً بحادث الإرهاب الشهير بشرم الشيخ منذ بضع سنوات فقد كان الضابط الشهيد في ذلك الحادث . "صح يا رشا، صدقتي عاش عبد الخالق يحيي العلم ومات وهو يحيي العلم" رحمة الله عليك أيها الرجل الصغيرالمعتز بذاته فلم أعرفك الا في هذه الصورة.


وتلكأنا قليلاً نلتقط عدداً من الصور ويشاكس بعضنا البعض الاخر . "طبعاً المشاكسين عارفين نفسهم" تأملنا الفصول الإضافية التي تم بنائها في عام 1984 لتستوعب مزيداً من الطلبة وكانت ايضاً لا تزيد عن دوريين فليس هناك حاجة لكتل الاسمنت فمساحة المدرسة مهما تم الاضافة عليها فسوف تسمح دائماً بالتوسعات الأفقية.


وبعد قليل أشفقنا على الحارس العجوز وقررنا إنهاء الزيارة على أمل الا تكون هذه هي الزيارة الأخيرة. ولكن قبل أن ننهي الزيارة يجب أن أرى حجرة الرسم ، مصدر إلهامي ومخزن ذكرياتي الجميلة. تركت الأصدقاء وركضت تجاهها لأخذ لنفسي لحظة وأصورها . جريت ووقفت أمام الزجاج الذى اختفت من عليه الرسومات الزيتية والأعمال الفنية المعلقة على الحوائط . حتى الدكك كانت مبعثرة بغير ترتيب في كل جانب وبدت الغرفة غير معتنى بتنظيفها. وجدت نفسي اقول ليه ؟..... ليه كده؟؟؟


معلش مش مهم . لن أضايق نفسي بفرق الصورة فالأحتفظ بالصورة القديمة لنفسي ولأعتبرها صورتي أنا التي أستمدت جمالها من وجودنا نحن ، نحن أيها الأصدقاء. نحن الذين صنعناها ونحن الذين أضفنا الى جمالها . كنا نحن اللون في الصورة والحيوية والضوضاء والشغب.


وفي طريق خروجنا ، ودعنا مزيداً من الذكريات . هنا كان مكان أسطول أتوبيساتنا التي كانت تنتظرنا بعد إنتهاء اليوم الدراسي. شعرت بأرواح ناس كثيرين تحيط هذا المكان ، الأحياء منهم والأموات. "عم عبد القادر" سائق أتوبيس رقم 8 و"عم مدني" مساعده وقد كان هذا أتوبيسي حين كنت أسكن وسط البلد ، وعم زين تباع اتوبيس المنيل . وعم عويس وعم حسين بجلابيبهم البيضاء الواسعة وأكتافهم العريضة وقد كانوا طوال القامة . وعم عوض وعم بيومي وآخرين. ونشكر بواب المدرسة الجديد الشاب المرتدي للقميص والبنطلون الذي سمح لنا بالدخول وكان يجلس في نفس مكان عم حسين الحارس القديم ولكن على الكرسي وليس على الدكة .

أميرة المسيرى



الخميس، 4 يونيو 2009

نقطة البداية

كنت أظننى أعرف وأفهم بما فيه الكفاية
كنت أظنني أعرف نفسي وأفهم ماذا تحب وماذا تكره، ماذا تقبل وماذا ترفض
إلا أن كل هذا يبدوا غير صحيح الآن ... يبدوا متغيراً
فهناك الكثير والكثير مما لا أعرفه ولا أفهمه
طرقاً كثيرة لم أطرقها ولم أعي عنها شيئاً، واراءاً لم أكونها
ملايين الأشياء تثير فضولى وتستوجب أهتمامي
نهم يزداد لاكتشاف المزيد عن الأشياء والأشخاص والأماكن ...


وبينما أكتشف، أنبهر وأندهش ... أتعلم وأتغير
فأحب أشياء لم أحبها من قبل ، وأكره أشياء لطالما كانت متعتي
وأضبط نفسي أفقد صبري من أشياء كنت أتقبلها وأصبح أكثر تقبلاً لأشياء اخرى كنت أرفضها.
وأتعجب وأندهش


أشعر ببوادر التغير قادمة في الطريق
تلوح لي..  تبرق لي من بعيد 
تداعبني وتعدني بوعود أحب أن أصدقها
وعود بالنمو، بمتعة ورفاهية التجربة ، بطعم ولون للأشياء
ولكن ما أصعب التغيير... مجرد احتماله مؤلم ... خاصة في بداياته


فهذا التغيير كافي لهز ثوابت كثيرة فى صميم تكويني
ثوابت وضعتها بنفسي أو فرضت على
ثوابت إعتدتها وأراحتني وأراحت من حولي
أعطتني النظام وهدوء البال والتقبل
ثوابت رسمت كل أدواري بدقة ، فكان على فقط عبء التنفيذ


عشت عمراً طويلاً منفذة مثالية والملل رفيق يلوح بين آن وآخر
فهو الرفيق الملازم للانضباط والنمطية
هو الرفيق المثالي لأصحاب الأدوار المرسومة


لم أحاول آن أتمرد يوماً
فظلت حياتي كما هي صحية ومنظمة ..... ولكن ... محدودة
وبين وقت وآخر، وفي محاولات لطرد الملل، وإشباع الفردية
كنت أدفع بنفسي في دوائر التجديد بغرض النمو أو كسر رهبة
كنت دائما أعي أن كسر حاجز وراء الآخر معناه النمو
وبالفعل كنت أنموا ويزداد اعتمادي على نفسي ويزداد استمتاعي بالحياة
ولكن الآن ولسبب ما، أو بدون أي سبب ، تبدوا لي كل المحاولات السابقة كانتصارات صغيرة..
تبدوا لي محدودة ، فأبحث عن الأكبر والأوسع


ولكن الأكبر أصعب والتغيير مخيف
مخيف لأنه يهدد كل الثوابت ويربكها
يضغط على أعصابي ، يفقدني سلامي ويصيبني بالقلق
أبحث عما يهدأ هذا التوتر فلا أجده مع أحد
أجده بين الحركة والتوقف والتفكير


وبينما اكتشف المزيد عن الاشياء ، أكتشف المزيد عن نفسي وأراجع الآراء
بيدي أضيف بعض الرتوش وبيدي أمحو بعض الزيادات
وأرتعب لأن التغيير قد يعنى النجاح وقد يعني الفشل
لأنه قد يأخني الى نقطة البداية ... إلى نقطة الصفر

أميرة المسيرى