الأربعاء، 31 يوليو 2013

"زرع بصل "

 
لما كنا صغيرين في المدرسة كلنا مرينا بتجربة الزراعة .كان الهدف وقتها اننا نتعرف على اجزاء النباتات من الجذور والساق و الأوراق. فيه منا اللى كان يزرع بصل او يزرع بذور فول او حلبة او عدس . زراعة البصل كانت الأضمن والأسهل و الأقل مجهود . يا دوب تحط البصلة في برطمان المربي الفارغ  مع شوية ميه ، تغيرها او تزودها كل كام يوم . مجهود قليل ونتيجة تكاد  تكون مضمونة. بس انا لو فاكرة حاجة عن التجربة دي فاكرة منظر الفول المزرع و الممتد في لون اخضر نضر ملمسه رائع و كذلك الحلبة فاوراقها جميلة ودقيقة للغاية ، برغم ريحتها اللى ما حدش بيحبها . فاكرة برضه اننا على قدر صغرسننا ،كان عندنا قدر من المسئولية تجاه زرعنا. كنا بنتابع زرعنا يا نسقيه او نبلل القطن بقطرات المياة ، يا ننقله ناحية الشباك عشان الزرع بيحتاج للشمس عشان يزهزه و يخضر . او مجرد بس نبص عليه . مين فينا مازرعش زرعة و هو صغير ؟
بقالي فترة بفكر في موضوع الزراعة ده و حاسة ان الزراعة قانون للحياة باكملها بس احنا بس ساعات بننسي . هي الحياة ايه غير بذور بنرميها مع امل ان تنمو في يوم من الايام؟  منها بذور سريعة النمو ومنها نباتات متوسطة الأجل و ففي وسطها نباتات عشوائية طلعت بالصدفة  مثل النباتات التي تنمو على جانب الطريق و في وسط المحاصيل الأخري.  كنا زمان  نقول عليها زرع  شيطاني بس علمونا نسميها باسم افضل ... نسميها زرع رباني .... وفيه انواع اخرى من النباتات تزرعها  ايدي اجيال و تشوفها اجيال اخري .. زي النخل مثلا.  
بس في وسط زحمة  الحياة والتشتيت ، ساعات الانسان بينسي القوانين البسيطة ... مع ان حياتنا غالبا ما بينفعش معاها قدر القوانين البدائية ..  وأحد قوانين الزراعة البديهية هو ان زرعك من نوعيه بذرك و انه على قدر مجهودك واهتمامك ومتابعتك  لزرعك على قدر جودة محصولك . القاعدة التانية في الزراعة هي قاعدة التوقيت .. انا امتي هارمي البذرة .. دلوقتي ولا بعدين ..  ماهي النباتات ليها مواسم و ليها توقيت.
ومن نفس فكرة الزراعة كفكرة و كقانون عظيم منظم للحياة اتعلمت ان الصبر من اكبرالقيم بل يكاد يكون من امهات القيم قي الحياة ..  ماهو بعد ما ترمي البذرة بايدك لازم تفضل حواليها  تراعيها وتتابعها بنفس شغف و اهتمام الطفل بزرعته  . وساعات زرعتك تمرض و تحتاج العلاج و تكاد تفقدها  وساعات مجهودك بيقل او ينعدم لما تركز في زرعة تانية . وطول الوقت تبقي برضه عارف ان فيه قوى اكبر منك ممكن تيجي في ثانية تقلعلك زرعتك ومكن نفس القوي  برضه تبهرك بخير كبير غير متوقع لم يكن يخطر على بالك و لا اصلا من صنع يديك.  
ومع فكرة الصبر تاتي فكرة الوقت .. فكرة انتظار نضوج الزرع و مروره بدائرة نموه و دائرة مخاطره و احتمالات المكسب و الخسارة  . نفس فكرة الوقت دي لازمة لكل شي خلقة الله لاكتمال دورته او تغير حاله من حال الى اخر فليس هناك شيء نقول له كن فيكون. الوحيد القادر على هذا التبدل السريع هو الله  .. فالصغير يلزمه وقت لكي ينمو و المريض وقت لكي يشفي و المشاعر و الحاله النفسية لكي تتبدل او تتطور.  و الظروف لكي تتعاقب في ترتيب معين. ما فيش حاجة تمسها العصا السحرية فيتغير حالها في التو واللحظة الا في خيالنا فقط او بفعل المخدرات.  
و بالرغم ان قانون الزراعة قانون بسيط و قواعده بديهية فيها التخطيط وبذل الجهد و الرعاية و فيه المخاطرة و اللا ضمان و فيه احتمالات الكسب الوفيرالا اننا ننساه كقانون منظم لحياتنا .. اللى بينسى يزرع او اللى بيكسل او  بيزهق في النص او اللى يزرع و يهمل زرعه او اللى يعتمد على زرع غيره او بيزرع في الحتت الغلط او تفوته المواسم  . و لو انا اتعلمت حاجة طول حياتي هاتكون من وقت تجربة زراعه البصل و الفول و الحلبة... فعن تجربة  شخصية وعن يقين:  أغلب الدروس التي تلزمنا بسيطة  نتعلمها و نحن صغار ولكن نعيها ونحتاج أن نتذكرها نحن كبار .  
 
  

السبت، 27 أبريل 2013

أنت لا تنزل نفس النهر مرتين

   
 " أنت لا تنزل نفس النهر مرتين "
وجدت نفسي مؤخرأً افكر في هذه المقولة و في اتساع الاحتمالات التي تحويها .. فعلأ ليس هناك تكرار لأي تجربة حتى و ان كنت انت نفسك و ان كان " النهر" نفس النهر، لانه في كل لقاء تختلف الظروف حولكما فلا تكون انت نفس الشخص و لا يكون النهر نفس النهر بنفس الثبات ، فالتجدد اذن هو الاحتمال الاكبر المستمر وسنة الحياة والثبات هو عكس وضد كل صور النمو في الحياة. اذا سلمت بهذه المقولة وهذا الافتراض سوف تسلم بانك متجدد في مختلف مراحل حياتك و حتى على مدى فترات زمنية قصيرة جداً قد تكون اسابيع و ايام و حتى دقائق و ذلك لأن نظرتك تتأثر بظروف الموقف و ظروف حالتك النفسية وتوقيت الحدث وخلفياته .. قد تحاول ان تكون موضوعيا بالتدريب الا ان الموضوعية قد تبدوا صعبة جداً مع هذا الافتراض لأن ترمومترالقياس غير ثابت و كل ما حوله غير ثابت.
هذا من ناحيتك .. اما من ناحية الاخرين فانك تندهش جداً من ديناميكيات تفاعلك المختلفة مع شخصيات مختلفة .. فبينما انت انت نفس الشخص، الا ان ردود الافعال والاراء تختلف حولك فتجد من يعجب بك ومن يحبك جداً ، و ايضاً من لا يفضلك أو لا يستسيغك أوحتى يكرهك.. وبينما في الواقع انت انت نفس الشخص الا ان صورك تختلف مع اختلاف الشخصيات و الادوار .

حتى اذا نظرنا الى الطبيعة فهي من شأنها التغير ، فتتغير الفصول و تختلف درجات الحرارة ما بين يوم و اخر و ما بين الليل و النهار .وعلى نفس الخط كل شيء خلقه الله له ظروف وصور متغيرة فالقمر ينمو ويكبر ثم يصغر ويتضائل .. والشمس تتغير حرارتها على مدى النهار الى ان تغرب و تخبوا لتعود في يوم جديد . نفس الشمس ذاتها تختلف درجة سطوعها وحرارتها من بلد الى بلد على حسب موقعها الجغرافي ولكننا اتفقنا على تسميتها نفس الاسم و الصفات ... اسميناها شمسأ في كل مكان في العالم و اتفقنا علمياً على وصفها و خواصها.
اذا سلمت انك متغيردائماً فما هي الاحتمالات والفرص التي يجلبها هذا الافتراض؟ هذا الاحتمال يسع فرصاً كثيرة لكل من فاته شيء لأن بقاء الحال من المحال. فمن فاتته فرصة فلعل فرصته قادمة في مرحلة اخرى .. و اكثر الناس وعياً هم من ينتبهون الى هذه الحقيقة فاذا كانوا على القمة يظلوا متيقظين ليبقوا كذلك ،كي لا يكون التغير عندهم تغيراً سلبياً.

نفس فكرة التجدد تلغي التشاؤوم تجاه الاشياء والمواقف والاشخاص الذين جمعتنا معهم تجارب سيئة و تعطيهم المزيد من الفرص .. و في نفس الوقت، نفس فكرة التغير لا تعطي اي ضمانات للحفاظ على أي مكسب في الحياة حتى و ان كنت تعبت جداً للحصول عليه ، فيجب ان تظل تعمل ان لم يكن لتنميه فعلى الاقل للحفاظ عليه لأن في دوامة التغير هذه لا شيء مضمون .