الأربعاء، 11 فبراير 2009

أجري أجري أجري



عمرك حسيت أنك في سباق؟ عاوز تعمل وتعمل وتعمل. و تجري وتسعي وتنتج وتاخد الخطوات اللي توصلك لهدفك، لكنك و انت بتجري بتحس انه مش كفاية . لازم تعمل اكثر. وساعات تلوم نفسك و تقول ليه ما اشتغلتش اكتر؟ و ليه ما حققتش أكثر؟ او ليه انا مش احسن مهنياً ؟ ليه ما كنتش أجتماعي اكتر؟. ليه ليه ليه ؟
وتلوم نفسك بسبب كل شئء، سواء كان بارادتك أو خارج عن ارادتك. وتقول أنا اتعطلت و اللي فات وقت ضاع . الأغرب من كده لما تجيلك الأحاسيس دي لما تكون بالفعل أبتدي حهدك يبان ، لما تكون يدوبك أبتديت تاخد اللي تستاهله في وظيفتك مثلاً او تكون أنجح و أنضج أجتماعياً .... ساعتها بتقدر نفسك، لكن برضه بتلاقي نفسك في سباق محموم عشان تعوض وتلحق . . تلحق أيه بالظبط مش عارفة ؟ بس الفيصل أنك تلحق حاجة أفضل مما انت فيه دلوقت.
و ساعات ثانية عزمك يهبط و تيأس و تقول اللي فات صعب يتعوض. و تكون النتيجة أنك تلاقي نفسك في سباق محموم و قلق مستمر و تلاقي نفسك بتجري و تجري، و تتكعبل وتتعثر لانك بتجري جوه نفسك ، بتعذب في نفسك و ساعتها كمان يمكن تفقد صبرك وعزمك اللي المفروض انك تحافظ عليه لأنه سلاحك اللي هيخليك تكمل السباق و تاخد اللي تستحقه . حقيقي النفس البشرية ديه كلكيعة كبيرة!
ده السباق اللي كلنا بنجري فيه . بعضنا محدد عاوز يوصل فين والبعض الاخر عاوز يوصل مكان ما لكن مش محدد أوي، شايف كل اللي حواليه بيجروا، فلازم يجري هو كمان، يمكن يلحق أي حاجه. لكننا في السباق ده بنحترف القلق ، بيصبح جزء من حياتنا. بنصحي و ننام بيه، بيعذبنا. ساعات ييكون حافز وساعات بيكون العزاب. فيه ناس تقولك النجاح عندي مش أختيار وحد تاني يقولك أنا عندي زكاء و قدرات و طاقة و أنا عارف أن ربنا هايحاسبني عملت بيهم ايه . لكن في الواقع أن ربنا مش هو السبب . أحنا السبب.
اليوم فقط عرفت سبب لهذا السباق و هذا القلق. سبب بسيط جداً له وجود في كل اللغات . على الأقل اللغات الثلاثة التي أعرفها. ضحكت من نفسي لما فكرت فيه وحطيته في جملة مفيدة. ...السبب صيغة التفضيل.يعني ايه؟ ببساطة معناها أن كل حاجة حلوة في الدنيا فيه أحسن منها و بدرجات مختلفة.
مثال لكده بالانجليزيةgood, better, best أما بالبلدي فمعناها أن القوي فيه الأقوى منه و الشاطر فيه الأشطر منه و الحلو فيه الأحلى منه . الخ الخ الخ . فبالتالي مش كفاية تكون شاطر ، و لا كفاية تكون زكي. لا لازم تكون الأفضل .
أسرح بخيالى و أنا أتخيل الأفضل و الأحسن . و أتسائل ليه يا ربي المنتهى صعب ؟ وليه طريقه طويل؟ ليه صعب الوصول بالاشياء إلى آخرها؟و لكني أسأل نفسي لماذا المنتهى؟ وكأن الصفات ليست كفاية ؟ لماذا المنتهى ؟
و أعود تاني للسباق مانا عاوزه أنجح ، عاوزة أعوض اللي فات . أو عاوزه الحق أستمتع قبل فوات الاوان. و أكاد أجن . و أجري و حولي المتسابقين ، كل يجري في سباقه ، منهم شخصيات لا تطاق و منهم ناس مؤثرين . وأقف قليلأ أحاول أن التقط أنفاسي و لا يكون هذا بارادتي و لكن لاني أنهار و لا أستطيع إلا أن أتوقف. أحاول أن أتزكر نفسي و حياتي قبل دخول سباق المنتهى فأجد نفسي أبسط ، أجد نفسي أنا . و أتزكر متعي البسيطة .
و أقرر أن أخذ أجازة من السباق، فأخرج وأركب سيارتي و أفتح الشباك الى آخره و أفتح عينى أتامل أشرعة المراكب في النيل و أحول بين محطات الراديو فاسمع " يا حلو صبح ، يا حلو طل ... نهارنا أبيض نهارنا فل" فاتفائل و أطرب . و أقلب المحطات الى ان أجد أغنية تعجبني .... " بكرة يا حبييبي يحلو السهر، بكرة يا حبيي نحضن الامر. " و أغني و أنا سعيدة .و عندما أحب أن أتوقف، أتوقف . و أتامل كل ماحولي بنفس تود أن تهدأ. و أنظر الى الشمس و السماء الصافية ، فأستريح من داخلي وأغمض عيني وأريح رأسي الى الوراء و أشعر بحرارة الشمس تتسلل إلى جفوني، فاغفو وأنسى السباق لبعض الوقت.
.............................................
و لكن.. السباق له متعته . متعة اذا عرفتها لن تزهدها لانها تصل بك الي اقصى درجات الاداء . أنت في احسن صورة و أكمل صورة ممكنه . درجات و حالات لم تكن تعرفها عن نفسك و لا يعرفها عنك الغير. و في السباق تقابل ناس تتعلم منها ، تبهرك فعلاً و تكون ناس حقيقية . و ناس اخرى لا طعم و لا رائحة و لا لون و في قلب السباق، لو عندك شوية مخ ، بتتفرج و تتامل و تضحك في سرك على حاجات كثيرة وساعات برضه يمكن تعمل أهبل! أذن فالسباق ليس كله مساوئ و لا كله عيوب و من أدمنه و أختاره هو شخص دايماً يحب يكون أحسن و فعلاً بيكون أحسن .
لكن أنا اتعلمت حاجة... العيب مش في السباق. العيب في المحرك . العيب أن نشعر باننا لازم نلحق حاجة أو نعوض حاجة. العيب أن نقسو على أنفسنا ونتركها فريسة لأحاسيس سلبية تهدم أكثر مما تبني. الى كل المتسابقين المجانين، القلقين، أنا مستمرة في السباق ولكني قرررت أن أنزع القلق ورغبة التعويض. أنا راضية عما حققته وسوف أكمل بروح مختلفة . لن الوم نفسي على أي شئ . لو ماشية على رجلي هاخد بالي . و لو أنا اللي سايقة و عملت حادثة لن الوم نفسي ما هو ممكن الغلطة ما تكونش غلطتي . ولو غلطتي، مش مهم. أما بقى اذا كنت هانم وعندي سواق ،أتمنى فقط ألا يقع حظي في سواق عبيط يقع بيه في الترعة .
أميرة المسيرى
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق