الثلاثاء، 24 نوفمبر 2009

الموتور و الفرامل

من أجمل الأشياء التي تستهويني جداً و تلهمني هو مشاهدة طفل صغير لم يلبث أن تعلم المشي وهو يتعثر في خطواته الأولى ويجاهد للحفاظ على توازنه .. هذا المشهد يجذب إنتباهي بشده لأنه من اوئل الإنتصارات التي يحققها الأنسان في عمره و تكون قدرته على المشي هي ألاداة الأولى التي تعطيه حرية الحركة وحرية الأستكتشاف .. هذه الحرية والقدرة الكبيرة يعطيها الله للإنسان في عمر عام واحد فقط وعلى أقصى تقدير بعد عيد ميلاد الطفل الأول بأسبوع او أسبوعين إلا اذا كان هناك أسباب عضوية لتأخر المشي .

أطرف ما في هذا الموضوع هو أن الطفل في هذه السن المبكرة جداً مع اكتسابه لقدرة المشي لا يكتسب قدرة موازية في تطوره العقلى التي تمكنه من معرفة و تحديد الاخطار المحيطة به من ماء ساخن ، كهرباء .. الخ الخ. لذلك يكون الطفل في هذه المرحلة مثل " العربة الطائشة " موتور بلا فرامل ... موتور بلا عقل.


إذا تأملت في هذا الموقف أكثر وأكثر فسوف تجده يتعدي الطرافة ، فبالإضافة إلى متعة مشاهدة هذا النجاح الكبير للطفل من المحافظة على توازنه و تفادي الوقوع ، و الإصطدام بالأشياء و خبط رأسه في الحأئط و عمل كثير من الكوارث ، فهنا ك بعداً أكبر بكثير .. هو بعد التلقائية والمغامرة  وروح الاستكشاف التي أودعها الله بداخلنا ..


يبدوا أن الله اراد لنا في بعض مراحل حياتنا أن نكون بالفعل موتور بلا فرامل. والدليل على ذلك هو انه أمدنا بالقدرة على المشي قبل القدرة على التفكير السليم . وهذا لا يعني أن الله لم يمدنا بدواعي آماننا... بل أعطانا هذا الآمان متمثلاً في الفطرة التي تركها لتقودنا في أكثر مراحل حياتنا ضعفاً وانعدام للخبرة.


وبينما نكبر، يقل اعتمادنا على الفطرة وتزيد تجاربنا وتتراكم المعلومات ، ولكن الخبرة دائماً قابلة دائما لزياده أكبر .. فإن كنت أبن العاشرة ، فمن في ضعف عمرك تجربته و حصيلة معلوماته أكبر وإن كنت في العشرين فخبرات أهلك بطبيعة الحال أوسع في مجال الخبرات الحياتية الا ان أولادنا الآن سبقونا في بعض المجالات مثل الكومبيوتر و التكنولوجيا ..


عودة إلى الطفل الذي تعلم المشي ثم لم يلبث أن صار في السادسة عشرة و يجب عليه تقرير ايه جامعة يلتحق بها .. وسريعاً يصبح في العشرينات فيختار شريك عمره .. و قرارات كثيرة منها الكبير والصغير ، إلا انها كلها تشكل حياته المستقبلية و تسطر خطوطاً في كتاب حياته .... و في هذه المرحلة يتسلح "الطفل" الذي لم يصبح طفلاً بمشورة عقله و ببعض التوجيه من الأهل و المجتمع و تكون قراراته في ضوء معلوماته و خبراته و ما تفرضه قيود و ضوابط البيئة التي يسوق فيها "عربته" .. و لكن معلوماته دائما تكون غير مكتملة و خبرتة قابلة للزيادة.


و نكبر أكثر .. و أدواتنا لا تزال الموتور و الفرامل ... و نتطور، فلا نظل هذه العربة الطائشة التي كناها يوما.. بل يزداد استخدامنا للفرامل. وتأخذنا سطوة حسب الحسابات و توقع النتائج. وفي قمة هذا "النجاح " و قمة الفهم والنضوج من "وجهة نظرك" ، يباغتك حنين لأيام كنت فيها قليل الخبرة لا تعلم ماذا ينتظرك  برغم هذا كانت تحدوك روح المغامرة و الأستكشاف وكان يصيبك الكثيررررررر من النجاح. نعم هناك جمال في أن تبدأ الطريق وأنت لا تعلم ابعاده والا تعلم ماذا ينتظرك ولا حتي أن يكون بداخلك سؤال : ماذا بعد ؟ 


لهذا ، أيها الطفل الذي قدر الله له أن يتحسس خطاه وقت أن كان إبن عام  واصغر، أخطوا وتعثر وخاطر وتحسس طريقك بحدسك و بقلبك وبما تملك من أدوات .. فمهما كبرت وعظمت ادواتك فسوف تظل دائما محدوداً. وهناك الكثير من الأشياء التي تستشعر بالقلب فقط دون العقل وأشياء تبدوا الجنون كل الجنون و بدون أي ضمان من العقل... ولكنها هي كل الصواب. 


أميرة المسيري 

السبت، 7 نوفمبر 2009

" أفتحوا الشبابيك لنور الشمس"



من أنا ؟ ماذا أحب ؟ ماذا أكره ؟ و ماذا أريد ؟؟


أفكر كثيراً هذه الأيام في هذه الأسئلة ....

أنا إنسانه بسيطة تريد أن تعيش حياة بسيطة مطمئنة .أريد النجاح , أريد الحب و الرفقة .. أريد الهدوء و السلام . أريد أن أنموا و أن أصبح كل يوم أفضل مما قبله و ذلك عن طريق التعلم و التفتح على الدنيا و التواصل مع مختلف الفئات والأعمار و الثقافات .. عندي أحلامي التي أسعي إلى تحقيقها و أحمد الله على نعمة الحلم و نعمة التفكير... جميع الشبابيك مفتوحة أمامي ... الشمس تدخلها و أراها وأحسها في قلبي وعيني وأحساسي . أريد ان تكون الدنيا على قدر المستطاع أغنية سعيدة أخزنها و أدندنها في ذهني لأن الدنيا في الواقع ليست بنفس القدر من التفاول والسعادة ..


وفي ذات الوقت ، أنا واقعية ، أعرف إن قدرنا أن نولد و ننموا و نتعرض للأحداث السعيدة و الحزينة و المرض وموت الأحباء. نولد براعم متناهية الصغر و ننمو و ننمو إلى أن نصير وروداً نضرة، ثم لا نلبث أن نذبل تدريجياً الى أن نفني تماماً و نصير تراباً يطير مع الريح. ... من أجل هذه الحقيقة وهي أن كل شئ إلى زوال و أن دوام الصحة و الشباب الجمال من المحال ، من اجل هذا الوعي ، فأنا أبحث عن امتلاك كل لحظة جميلة ... حالية ... أبحث عن خزين الشتاء الذي سيملأني عندما تذوي النضارة و الإنطلاق.. أبني قوة داخلية ... أبني روحاً من العلم و الانسانية والخبرات .. أجمع طاقة لتدفئني و تعطيني السلام يوم الشتاء القادم لا محالة ...


" أفتحو الشبابيك لنورالشمس يلا " .. صحوت اليوم على هذه الجملة في ذهني .أحب أن أدعو الناس اليها .. هذه الشمس ليست شمساً مادية . هي شمس المعرفة و الإستنارة .. ليست بالضرورة معرفة علمية فمن الممكن أن تكون تفتحاً للذهن على آية حقيقة حياتية نعيشها .. هي قدرة على التفكر في ما يحيط بنا و محاولة ترتيبه في صورة تناسبنا و تكون ذات معني لنا.. أكتشاف شيئاً ما كان خافياً علينا. إصلاح خطأ كنا نرتكبه دون وعي ... و الأهم على الإطلاق هو إكتشاف الأشياء التي تقربك من فهم نفسك ، فتصبح أكثر قربا من نفسك، فتعرف ماذا تحب و ماذا تكره ..ماذا تقبل وماذا ترفض .. و كيف لك ان تروض نفسك و تقودها في بعض الأحيان لترضخ أو لترضى . ان كل لحظة يقضيها الإنسان مع نفسه في فهم نفسه أو اكتشاف حقيقة كانت خافية عليه هى مكسب كبير وخطوة نحو السعادة التي دائما ما نحتار فيها. و يبدوا عن تجربة أن فهم النفس هي أول خطوات هذه السعادة ...هذا السلام .

ما أسعد و أجمل أن تعي أولاً كم أنت مخلوقأ فريداً ، صنعته يداً عظيمة ووضعت فيه من روحها و لمستها .. ... مخلوق فريد خلقة الله بكل جماله و نقائصة ... عيوبه و ميزاته . .ما أجمل أن تحب هذه النفس و تتباهي بتفردها و اختلاف بصمتها عن كل شئ في هذا العالم ، فهذه النفس لا يوجد منها إلا نسخة واحدة فقط صنعها مصنع لم ينتج غيرها.. و ما أجمل أن تضيف أنت لهذا الخلق .... عن طريق تطوير هذا الكيان عن طريق الفهم و النمو والسعي نحو أفضل درجات الأداء.

* " و الشمس و ضحاها و القمر إذا تلاها و النهار إذا جلاها و الليل أذا يغشاها و السماء و ما بناها و الأرض و ما طحاها . و نفس و ما سواها فألهمها فجورها و تقواها ، قد أفلح من زكاها و قد خاب من دساها "


أميرة المسيري 


*سورة الشمس ( ايه رقم 10- 15)

الخميس، 13 أغسطس 2009

جولة في مدينتي


أحب ان أصحبك في جولة
جولة في مدينتي الجميلة
جولة نتذوق فيها طعماً مختلفاً للأشياء
أريد أن أوقظ فيك حس حب الحياة والإستمتاع بالأشياء
أريدك أن تفتح روحك لتتمتع بكل الأشياء الصغيرة الخفية


أصحبني في جولة في سيارتي
نمشي في نفس الطريق أو في طرق مختلفة.. أو طرق نختارها نحن .. أو دعها للصدفة
أفتح شباكك و شباكي و كل الشبابيك
و الآن أستعد .. أربط الحزام
سوف أقود بك بأقصى سرعة


كل شئ يطير .. شعري و الاوراق
الهواء لنا و الحر الخانق للناس اصحاب السيارات المغلقة على هواء التكييف
لا... لا ... لا تعبأ بالاوراق الملقاة
دع الهواء يعبث بها و بكل الأشياء الملقاة في الخلف فهي غير مهمة
دعها تطير و تتناثر و تتبعثر.. فسوف تعود و تسقط من جديد داخل السيارة
دعها تتمتع بمتعة الحركة .. متعة الطيران
أتركها تنفض التراب المتراكم فوقها و تعود لتستقر من جديد مكانها ...
أو لا تستقر على الاطلاق... غير مهم
دعها تطير .. دعها تُفقد .. إذا كان مقدراً لها أن تُفقد ، فالتُفقد


أرأيت ؟؟ .. نحن نسبق كل الناس
أرأيت المتعة ؟؟ ... نحن في المقدمة دون أن ندري . دون أن نشعر .. دون أن نخطط
أخرج زراعك خارج السيارة و راقبه وهو يتراجع للخلف
حاول أن تقاوم الهواء
حاول أن تقاوم هذه الطاقة ؟؟
لن تستطيع .. فقط استستلم لها .. فهو استسلام ممتع


تعال شاركني أحلامي و جنوني و رغباتي الصغيرة
دعنا نترك السيارة ولنأخذ جولة على القدمين
ندخل سوياً كل الشوارع الضيقة التي يمكن لنا فقط أن ندخلها على القدمين
دعنا نتامل في البيوت و نتخيل حياة الغير
حياة ليست حياتنا ..غير مهم . ولكنها بالتأكيد مصدر للإلهام .. مصدر للإحساس .. مصدر للتعلم
مصدر لإثراء الروح و الخيال
سوياً سوف نشعر بكل الأشياء .. سوف نصبح أكثر قرباً من الاشياء
أستنشق الهواء و مزيج الروائح .. المحبب و الغير محبب و أستمتع به ... فميزته الكبيرة أنه حقيقي ... وأنه قريب .

أميرة المسيري

الجمعة، 31 يوليو 2009

حكايات كل يوم بين الرجل و المرأة

هو : صباح الخير
هي : صباح النور
هو: هاتعملي إيه النهارده .. أحب اشوفك أوي . عاوز أتكلم معاكي
هي : أنا كمان .. أحب نتقابل نتكلم
هو : خلاص إختاري لنا مكان هادئ نعرف نتكلم فيه
هي : أوكيه
هو : ناقص لي كام ساعة و أخلص شغل .. بعدها هانام شوية و أول ما أصحي هاكلمك


و بعد مضي عدة ساعات ...


هو : هاي أزيك
هي: أزيك انت ... نمت كويس ؟
هو :كويس أوي
هي : هانتقابل امتى ؟
هو: إيه رأيك .. تيجي نتفرج على ماتش الاهلي في أي كافيه ؟؟
هي: مش عارفة ... أنا كنت فاكرة اننا هانروح نتعشى و نتكلم
هو: أصلي في مود الماتش انهارده .. بس طبعأ لنا عايز أشوفك جداً
هي : مش عارفة .. على فكرة لو حابب تروح أوي ... ايه رأيك تروح انت مع أصحابك وإحنا ممكن نتقابل بكره أو بعده
هو : يخرب بيت أم الحساسية ... يا بنتي فيه ايه ؟
هي : مش حساسية ، بس أنا مش في نفس المود بتاعك ومادمت مش قادرة أشاركك فيه ،فعلى الأقل مش عاوزة أحرمك من اللي أنت عاوز تعمله
هو : أنا عاوز أعمل الأثنين
هي : ممكن أرجع أكلمك تاني ... عندي مشكلة بسيطة لازم أحلها. فكر أنت حابب تعمل إيه لحد ماكلمك


بعد نصف ساعة ....
هو : أهلا حبيبي
هي : أهلاً .. أسفة تأخرت عليك
هو: ولا يهمك .... المهم كله تمام؟
هي: أيوه . خلاص
هو: طيب هاه هانعمل ايه ؟
هي : مش عارفة .. بس أنا حابه أقولك حاجة
هو: قولي
هي : على فكرة أنا كنت حساسة فعلأ زي ماقولت، و عادة ما أكون حساسة لما باحس إن فيه حاجة مش فاهماها أو أحس أنك مش صريح في حاجة . و في موقف النهارده أنا إحساسي بيقولي انك أتفقت مع أصحابك بعد ما اتفقت معايا وعشان انت مش عارف تعمل أيه ، فكرت تجمع بينا إحنا الأثنين ... . أنا صح ؟؟؟
هو : ده صحيح .. بس مش زي ما انت فاكرة .. إحنا ممكن نروح و هما ممكن ييجوا أو مايجوش . يييييييييييه ...... تليفون تاني .. هارد و أكلمك .


و بعد مضي نصف ساعة .... و الساعة تقارب التاسعة يدق جرس التليفون .


هي: هاي .. ايه الاخبار ؟
هو : تمام
هي : كويس أنك اتكلمت دلوقت. أنا كنت لسه هابعتلك مسدج
هو : بجد ؟ كنت هاتقولي أيه ؟
هي: ابدأ .. كنت هاقولك إني خلاص غيرت رأيي على النهارده و إني حاباك تخرج مع أصحابك . و على فكرة احنا نقدر نسهر بكره أو بعده و ممكن كمان نتقابل على الغداء أو حتي الفطار لو حبيت. بس النهارده أنا عاوزاك تنبسط مع اصحابك عشان انت فعلا شكلك محتاج تخرج معهم.
هو بقلق و لجلجة : انا قلقان منك .. مش فاهمك .. انت متأكدة انك عايزة تعملي كده
هي: ايوه .. جداً
هو : طيب انت مش هاتزعلى ؟
هي: لأ مش هازعل هو : طيب مش هاتيجي تقوليلي بعد كده أنت بتفضل أصحابك عليا
هي : لا مش هاقول كده ..ما هو أنت مش كل مرة هاتعمل كده معايا .... بس لو اتكرر نفس الموقف كثير ، هاحس انك بتديهم الأولوية عليا ، لكن النهارده مافيش مشكلة روح و انبسط .
هو: بقلق و توجس .. أنا فرحان بيكي أوي
هي : طيب يالا روح بقي عشان أنا كمان الحق حد من أصحابي هايكون هيعمل حاجة ..
هو : نتقابل بكرة على الفطار ؟؟؟
هي : بجد ؟ هاتصحي ؟ .. طيب هايل... بس افتكرت... مش هاينفع .. علشان أنا عندي خطط تانية
هو: طيب خلاص ما فيش مشكلة
هي : طيب لو صحيت الصبح ماليش مزاج للخطط الثانية هاكلمك .. لو ما اتضايقتش تكون إختيار ثاني
هو : لا ده مايضايقنيش خالص
هي : طيب يالا استمتع بوقتك
هو : وانت كمان .. باي


و تنزل هي لتقابل بعض الاصدقاء


هو يبحث لها برسالة
هو : شكراً
هي : أستمتع بوقتك




أميرة المسيرى

السبت، 13 يونيو 2009

اليوم زرت مدرستي


اليوم زرت مدرستي
زرتها بالفعل
لأول مرة أدخلها منذ تركتها عام 1991 .
هل تركتها منذ 18 عاما ؟ !!!


لم تكن زيارة خيالية في عقلي أو حلم من أحلام يقظتي المتكررة التي كان يحلوا لي الإنغماس فيها بين وقت وأخر،أسترجع فيها صور متفرقة من الماضى وأٌشبكها في خيط لأكمل صورة عن ذكرى ممتعة وأيام كلها براءة و سعادة . كانت الزيارة هذه المرة زيارة حقيقية من صنع يدي. سعيت لها و شاركني فيها أصدقائي بشحمهم ولحمهم.


كنت أفكر كثيراً في المدرسة والأصدقاء هذه الأيام وهذا ما دعاني أولاً إلى كتابة القطعة الخاصة بذكرياتي عن المدرسة ثم إضفتها على الفيس بوك ليشاركني إياها كل زملائي . وإذا كان هناك أثر لشيء جيد فعلته طوال حياتي ، فلن يكون أفضل مما حدث. دون أن أدري أو أقصد أثرت ذكريات الجميع فيما يبدوا، فقد أجتمعنا جميعاً على حب مدرستنا وحب بعضنا البعض وحب هذه الفترة من حياتنا.


و أكثر ما بهرني بكل ما تحمل الكلمة من معاني هو أنه عندما بدأت التقليب في الصفحات القديمة تدافعت الذكريات وكأنها موجة عالية مثيرة أتت الى حياتي جالبة معها شخصيات جميلة من الماضي لم تفقد اثارتها برغم قدمها. أتوا من فصل بعييييد من فصول حياتي . لم يأتوا صغاراً قصيري القامة بل رجالاً و نساءاً لكل منهم سحره وشخصيته. عاد "الأشقياء" لنعيش معاً نقطة التقاء الماضي بالحاضر بكل ما يحمل من جمال وتشابك ممتع.


التقينا يوم السبت الماضي في نادي اليخت بناءاً على دعوتي لجميع أفراد دفعتنا على الفيس بوك.
لم يهمني أن يحضر كل الناس ،لأني كنت أعلم صعوبة هذا ولأني كنت واقعية. وددت فقط أن نبدأ.


وبرغم برودة الجو الشديدة في ذلك اليوم ، حضر عدد لا بأس به. كان من بين أول الحاضرين " نادر"، "و داليا أ"، و"سالي" و"طارق" الصديق المفقود الذي أنقطع الاتصال به لمدة تزيد عن عشرين عاماً. وحلا لي أن اُذكر طارق بذكرى أحفظها له منذ أن كنا صغاراً في الحضانة . وكان ذلك تقريباً في عام 1977 . كان ذلك الوقت الذي تلى نصر أكتوبر مباشرة حيث كانت ذكرى الحرب ومشاعر النصر لا تزال ساخنة في العقول والقلوب وساعد على تأجيجها إعلامنا الجليل ذات القناتين الوحيدتين والأغاني الوطنية مثل "ماشين .. شايلين في إيدنا سلاح" و "يا حبيبتي يا مصر" وغيرهم طبعاً من الخطب المكثفة للرئيس السادات التي بدت كثيرة جداً لنا وقتها لأنها كانت تتسبب دائماً في إلغاء برامجنا المفضلة. هذا بالأضافة طبعاً الى أكثر مشاهد طفولتنا إبهاراً على الأطلاق هو مشهد الرئيس السادات في العريبة "الكابريوليه" المفتوحة وهو يلوح بكل رصانة للجماهير المصطفة في الشوارع وهي تهتف بحماس ملتهب لم أفهمه وقتها " بالروح بالدم نفديك يا سادات".


عشنا سنواتنا الأولى تلك تحت وقع هذه المؤثرات والتعبئة الإعلامية العنيفة فكان من الطبيعي أن تتأثر شخصياتنا و تفكيرنا وأكيد العابنا. فماذا كانت لعبتنا المفضلة في ذلك الوقت.... هل يستطيع أحد التذكر ؟؟؟ .


كانت الحرب بين مصر وأسرائيل هي اللعبة اليومية المحورية والتي اذكرها بمنتهى الحماس حتى الآن. وكلما تتطل هذه الذكرى في رأسي أتذكر بطلاً محدداً ...... طارق


كانت حضانتا طبقاً لما أتذكره مقسمة إلى منطقيتن ، الأولى تشمل فناء واسع أرضه من الرمل وبه "الكانتين" في ناحية وبعض المراجيح و"السيسو" في ناحية أخرى. أما مسرح "الحرب" فكان منطقة أخري مليئة بالاشجار القصيرة ذات الفروع السميكة التي أتاحت لنا سهولة تسلقها وتحملت وزن أجسامنا الصغيرة . فماذا كان يدور في ساحة الحرب ؟
مبدئياً كانت هناك بوابة خشبية قصيرة كبوابات الحدائق الخاصة وكان عليها حراسة من الأولاد "الجنود" طبقاً للعبة. "البنت اللي لها أخ في الجيش ممكن تدخل واللي ملهاش متتدخلش." هكذا كان الأولاد يصيحون فينا بعصبية وبمنتهى الجدية! . طبقاً لهذه الشروط لم أكن أدخل في أوقات كثيرة ولكني كنت أتحين الفرص لأدخل وأتفرج حين تتاح الفرصة. فماذا كنت أرى ؟ "طارق" وعدداً أخر من الأولاد موزعين بين اللأشجار متخذين حركات بهلوانية والبعض الأخر منبطح على بطنه واخرين يمسكون فروع الأشجار كأنها "البنادق والأسلحة". . أما المؤثرات الصوتية، فحدث ولا حرج فقد كنا في حرب ويمكن تصور أنواع الأصوات من طاخ وبوم و قنابل وصريخ وزعيق إلى آخره.


هكذا كان واقع أيامنا وهذه كانت ألعابنا. وبالأضافة إلى الأفلام والأغاني وأحاديث الكبار التي عمقت من صلاتنا بالحرب والبطولات، كان لنا كصغار أحاديثنا أيضاً المرتبطة بالحرب. كان ذلك الوقت الذي كان للظابط قيمة عظيمة في عقولنا ، كانت صورة للبطولة . لم أنسى يوماً سؤالي لصديقة من صديقاتي " انتي باباكي بيشتغل ايه؟ " أقسم بالله انه حتى يومنا هذا أتذكر طريقتها ولدغتها وقد كنا صغاراً لم نتعدى الخامسة " بابا ظابط وهو زملاؤه هما اللى حرروا ( ثيناء) " واتذكر هذا الحوار ولا يسعني إلا أن أبتسم لك يا نيفين من عن بعد علك تقرأي كلامي هذا.


ويقطع علينا ذكرياتنا وصول "رانيا" ونقوم نستقبلها وتجلس" راينا " فرحة جداً ومتحمسة ولكن مخضوضة شأنها شأن معظم الناس عندما يطول الغياب. ثم تاتي "رشا" الصديقة الأولى لي و "داليا ف" أكثر بنات دفعتنا مشاكسة وخفة دم وبعد ذلك "هيثم"، وأخيراً "أحمد" و"رانيا" زوجته. وتشتد برودة الجو فنتتقل إلى أحد القاعات المغلقة بالنادي لنسبب إزعاجاً شديدأ للحاضرين كاد أن يتسبب في طردنا من المكان. وبالصدفة أقابل "مسيو بركات" مدرس اللغة الفرنسية في وقت الثانوية العامة فأفرح كثيرأ وأسلم عليه بمنتهى الشوق والمعزة . مش قولتلكوا " النكش في الذكريات القديمة ، جاب ناس عزيزة "


ثم طرأت علينا فكرة مجنونة. فكرة لطالما فكرت فيها وكانت حلم بالنسبة لي . "إيه رأيكم نروح المدرسة إنهارده ؟ إللي معايا يرفع إيده "........" أغلبية.... بيقى كلنا رايحين."


وفي طريق خروجنا من نادي اليخت نتوقف للحظات نفكر في خطة دخول المدرسة فقد كان اليوم أجازة والمدرسة مغلقة و حتى أن كانت مفتوحة فلن تكون مفتوحة للغرباء بدون إستئذان. و كان لدينا اختيارين أما أن ندخل بطريقة مشروعة من باب الدخول مستأذنين من الحارس الذي يٌحتمل أن يرفض، أو أن ندخل متسللين من باب الجامع الخلفي الملحق بالمدرسة. أستعرضنا سوياً هذه الاختيارات مع التأكيد على "عدم التبجيع و البلطجة " في حالة ضبطنا إذا دخلنا متسللين.


وأنتهينا إلى محاولة الدخول بالطريق المشروع من البوابة حتى إذا تطلب الأمر إرسال أحد العاملين معنا... وقد كان. وفتحت البوابة لنا ودخلنا المدرسة مرافقين بالحارس العجوز "عم محمد" الذي كان في يوم من الأيام من أصغر العاملين بالمدرسة ...... يااااااااه نفس المكان ، نفس التخطيط ونفس الروح ولكن يد الزمن هناك لا مفرمنها .


" فالنبدأ أولاً بالفصول يمين البوابة ....... يالا نجري؟" .. ... وجرينا يقتلنا الفضول والحنين . ومشيت مشدوهة التفت حولي يميناً ويساراً أحاول أن أجمع بعيني كل الصورة وأسترجع كل الذكريات والأحاسيس .... جريت بسرعة أنظر من زجاج الفصول..... أنظر إلى المقاعد الخالية المرصوصة في صفوف، ولكن نظرتي كانت زائغة لأني كنت أحاول أن ألم بكل شيء بسرعة فلم يكن عندنا سوى عشر دقائق سمحوا لنا بها وكان من السهل خرقها ولكني كنت أضع الحارس العجوزالذي كان يرافقنا في الأعتبار .مشيت مشتتة قليلاً وفرحة كثيراً أحاول أن أوفق بين أحساسي بالماضي وصوره وأحساسي بالحاضرورفقة أصدقائي ومحاولتي إلتقاط أكبرعدد من الصور لأحفظ ذكرى اليوم الحالى لعلمي إنها ستغلوا عندما تقدم.


مشينا بجانب الفصول ومن أجمل ما في فصول مدرستنا للمرحلة الإبتدائية هو أنها مقامة على مستوى واحد فقط، لها واجهة زجاجية طويلة ومحاطة بمساحات كبيرة من الخضرة كانت تجعل السرحان في العالم الخارجي أمراً لا يمكن الفرار منه ...مجرد النظر في الخضرة كان متعة. لا أعرف لماذا تذكرت النحل بشدة وأنا أمشي . تذكرته بطريقة غير مؤلمة بل بطريقة محببة تذكرته مرتبطاً بالورد الذي كان يملأ المدرسة عندما كان الأهتمام بها أكبر.


كانت هذه المنطقة بالذات من المناطق المفضلة لدي في المدرسة . ممكن لأنها كانت ترتبط في ذهني بنوع من أحلام يقظتي وأنا صغيرة وذلك بسبب أحد القصص المدرسية لا أتذكر بالضبط أسمها ولكنها كانت تحكي عن طفل أسمه أسامة غلبه النوم يوماً هو في حديقة منزله فحلم بانه صار عقلة الأصبع وقام بمغامرة مثيرة هو وأخته أماني في عالم النحل . طار وغامر وتعرض للأخطار . ومن خلال هذه القصة تعرفنا على معلومات مفيدة عن النحل والعسل و فؤائده. لهذا اذن تذكرت النحل!.... فقد كان يحلو لي السرحان في أثناء الحصص والنظر من خلال الزجاج على الحديقة والخضرة والورود والنحل المحبب. " يا ريتني كنت معاك يا أسامة"


تذكرت ايضاً الجراد و انا أتجول في المدرسة، فقد كان يحلو للأولاد اصطيادة في أكياس البلاستيك الخاصة لوجبة "اللنش" التي كانت توزع علينا . فعلى أيامنا كان هناك مطعم كبير في المدرسة ولا يزال ، كنا نأكل به الوجبات الساخنة من أرز وخضار ولحم وفراخ ومكرونة وكان الحلو فاكهة أو جيلي. بعد مرحلة، توقفت هذه الوجبات لأنه يبدوا أن تكاليف وعبء إدارة المطعم كانت كبيرة على المدرسة. بعد ذلك تم استبدال الوجبة بعدد ثلاث سندوتشات و بيضة مسلوقة ، بعد ذلك أستبدلوا الوجبة بالبسكوت وكان نوع واحد من البسكوت " الويفر" بالكريمة البيضاء ظللنا نـأكل منه حتى تخرجنا وكنا وقتها لما نشوفه بره المدرسة يجيلنا "أرتكاريا" . من فترة كنت مع أبنتي في السوبر ماركت وفوجئت بها تشتري من هذا النوع من البسكوت وأكتشفت أنه من الأنواع المفضلة عندها . ضحكت كثيراً وقتها وقلت ده أكيد ورثته في الجينات من كثرة الكميات التي استهلكتها أنا منه.... عودة ثانية لأكياس البلاستيك بتاعة السندويتشات وكانت تستخدم أما في الفرقعة أو في صيد الجراد المسكين الذي كان يصطاده الأولاد في الأكياس محاطاً بقليل من الزرع. وكانوا يجرون خلفنا بهذه الاكياس لعلمهم بقرفنا من هذا الفعل.


وانتقلنا إلى ، منطقة طوابير الصباح وكانت عبارة عن رقعة من البلاط وسط خضرة المدرسة اللا متناهية على عدد كبير من الأفدنة . بجانب طوابير الصباح كنا ناخذ حصة الالعاب في نفس المنطقة وكنا نقيم حفلات آخر العام الرياضية في نفس المكان. ساعتها كان يتم وضع بعض المقاعد الطويلة للمتفرجين وكنا نؤدي التدريبات الرياضية على أغنيات محمد ثروت الوطنية الشهيرة في ذلك الوقت... فالتعبئة الوطنية استمرت ولكن بأشكال مختلفة.


حقيقي مدرستنا هذه لو قرروا إقامة عشرمدارس على أرضها ، سوف تتسع لهم. وهذا هو السبب في ان المدرسة تقوم بتاجير ملاعبها للمدرسة الامريكية كما يوجد بها حمام سباحة كبير، علي ايامنا كان مهملاً للاسف ولكنه الان بعد إعادة تشغيله أصبح مكاناً لتدريبات السباحة في الصيف كما أنه يدر ربحاً على المدرسة.


وانتقلنا إلى منطقة فصول الإعدادي والثانوي وهي فصول من دوريين مقامة على عواميد دائرية . كان الفراغ بين العواميد وارتفاع الدور الأول هو مكان وقوف الأساتذة لإدارة طابور الصباح ومكان الإذاعة المدرسية وكنا نحن نقف في الطوابير في جزء من الرقعة الامامية الخضراءالتي تمثل جزءاً لا يذكر من ملاعب المدرسة الخضراء. وعند تذكرنا لتحية العلم أتى ذكر "عبد الخالق" أحد الأولاد الأساسيين الذين كانوا يحيون العلم في المدرسة من دفعة أكبرسناً. و قد كان رمزاً للاخلاق والرجولة عندما تظهر مبكراً على الولد منذ الصغر. كانت قد مضت سنوات بعد المدرسة ونسينا عبد الخالق إلى أن أتى أسمه مرة ثانية مرتبطاً بحادث الإرهاب الشهير بشرم الشيخ منذ بضع سنوات فقد كان الضابط الشهيد في ذلك الحادث . "صح يا رشا، صدقتي عاش عبد الخالق يحيي العلم ومات وهو يحيي العلم" رحمة الله عليك أيها الرجل الصغيرالمعتز بذاته فلم أعرفك الا في هذه الصورة.


وتلكأنا قليلاً نلتقط عدداً من الصور ويشاكس بعضنا البعض الاخر . "طبعاً المشاكسين عارفين نفسهم" تأملنا الفصول الإضافية التي تم بنائها في عام 1984 لتستوعب مزيداً من الطلبة وكانت ايضاً لا تزيد عن دوريين فليس هناك حاجة لكتل الاسمنت فمساحة المدرسة مهما تم الاضافة عليها فسوف تسمح دائماً بالتوسعات الأفقية.


وبعد قليل أشفقنا على الحارس العجوز وقررنا إنهاء الزيارة على أمل الا تكون هذه هي الزيارة الأخيرة. ولكن قبل أن ننهي الزيارة يجب أن أرى حجرة الرسم ، مصدر إلهامي ومخزن ذكرياتي الجميلة. تركت الأصدقاء وركضت تجاهها لأخذ لنفسي لحظة وأصورها . جريت ووقفت أمام الزجاج الذى اختفت من عليه الرسومات الزيتية والأعمال الفنية المعلقة على الحوائط . حتى الدكك كانت مبعثرة بغير ترتيب في كل جانب وبدت الغرفة غير معتنى بتنظيفها. وجدت نفسي اقول ليه ؟..... ليه كده؟؟؟


معلش مش مهم . لن أضايق نفسي بفرق الصورة فالأحتفظ بالصورة القديمة لنفسي ولأعتبرها صورتي أنا التي أستمدت جمالها من وجودنا نحن ، نحن أيها الأصدقاء. نحن الذين صنعناها ونحن الذين أضفنا الى جمالها . كنا نحن اللون في الصورة والحيوية والضوضاء والشغب.


وفي طريق خروجنا ، ودعنا مزيداً من الذكريات . هنا كان مكان أسطول أتوبيساتنا التي كانت تنتظرنا بعد إنتهاء اليوم الدراسي. شعرت بأرواح ناس كثيرين تحيط هذا المكان ، الأحياء منهم والأموات. "عم عبد القادر" سائق أتوبيس رقم 8 و"عم مدني" مساعده وقد كان هذا أتوبيسي حين كنت أسكن وسط البلد ، وعم زين تباع اتوبيس المنيل . وعم عويس وعم حسين بجلابيبهم البيضاء الواسعة وأكتافهم العريضة وقد كانوا طوال القامة . وعم عوض وعم بيومي وآخرين. ونشكر بواب المدرسة الجديد الشاب المرتدي للقميص والبنطلون الذي سمح لنا بالدخول وكان يجلس في نفس مكان عم حسين الحارس القديم ولكن على الكرسي وليس على الدكة .

أميرة المسيرى



الخميس، 4 يونيو 2009

نقطة البداية

كنت أظننى أعرف وأفهم بما فيه الكفاية
كنت أظنني أعرف نفسي وأفهم ماذا تحب وماذا تكره، ماذا تقبل وماذا ترفض
إلا أن كل هذا يبدوا غير صحيح الآن ... يبدوا متغيراً
فهناك الكثير والكثير مما لا أعرفه ولا أفهمه
طرقاً كثيرة لم أطرقها ولم أعي عنها شيئاً، واراءاً لم أكونها
ملايين الأشياء تثير فضولى وتستوجب أهتمامي
نهم يزداد لاكتشاف المزيد عن الأشياء والأشخاص والأماكن ...


وبينما أكتشف، أنبهر وأندهش ... أتعلم وأتغير
فأحب أشياء لم أحبها من قبل ، وأكره أشياء لطالما كانت متعتي
وأضبط نفسي أفقد صبري من أشياء كنت أتقبلها وأصبح أكثر تقبلاً لأشياء اخرى كنت أرفضها.
وأتعجب وأندهش


أشعر ببوادر التغير قادمة في الطريق
تلوح لي..  تبرق لي من بعيد 
تداعبني وتعدني بوعود أحب أن أصدقها
وعود بالنمو، بمتعة ورفاهية التجربة ، بطعم ولون للأشياء
ولكن ما أصعب التغيير... مجرد احتماله مؤلم ... خاصة في بداياته


فهذا التغيير كافي لهز ثوابت كثيرة فى صميم تكويني
ثوابت وضعتها بنفسي أو فرضت على
ثوابت إعتدتها وأراحتني وأراحت من حولي
أعطتني النظام وهدوء البال والتقبل
ثوابت رسمت كل أدواري بدقة ، فكان على فقط عبء التنفيذ


عشت عمراً طويلاً منفذة مثالية والملل رفيق يلوح بين آن وآخر
فهو الرفيق الملازم للانضباط والنمطية
هو الرفيق المثالي لأصحاب الأدوار المرسومة


لم أحاول آن أتمرد يوماً
فظلت حياتي كما هي صحية ومنظمة ..... ولكن ... محدودة
وبين وقت وآخر، وفي محاولات لطرد الملل، وإشباع الفردية
كنت أدفع بنفسي في دوائر التجديد بغرض النمو أو كسر رهبة
كنت دائما أعي أن كسر حاجز وراء الآخر معناه النمو
وبالفعل كنت أنموا ويزداد اعتمادي على نفسي ويزداد استمتاعي بالحياة
ولكن الآن ولسبب ما، أو بدون أي سبب ، تبدوا لي كل المحاولات السابقة كانتصارات صغيرة..
تبدوا لي محدودة ، فأبحث عن الأكبر والأوسع


ولكن الأكبر أصعب والتغيير مخيف
مخيف لأنه يهدد كل الثوابت ويربكها
يضغط على أعصابي ، يفقدني سلامي ويصيبني بالقلق
أبحث عما يهدأ هذا التوتر فلا أجده مع أحد
أجده بين الحركة والتوقف والتفكير


وبينما اكتشف المزيد عن الاشياء ، أكتشف المزيد عن نفسي وأراجع الآراء
بيدي أضيف بعض الرتوش وبيدي أمحو بعض الزيادات
وأرتعب لأن التغيير قد يعنى النجاح وقد يعني الفشل
لأنه قد يأخني الى نقطة البداية ... إلى نقطة الصفر

أميرة المسيرى

الثلاثاء، 26 مايو 2009

الجميلة النائمة

حانت مني التفاتة إلى الجميلة النائمة بجواري متدثرة بالغطاء . نظرت إلى كتفيها وذيل حصانها الطويل الملموم إلى الخلف في فوضى محببة . تحركت بعيني أتأمل بقية جسدها والحيز الذي تشغله في الفراش والذي ازداد تدريجيا مع مرور السنوات الإحدى عشرة الماضية. قبلتها وهي نائمة وابتسمت لها ابتسامة معزة ، سعيدة بالانتماء والمسئولية عن هذا الكيان الذي ينموا بقربي، تحت نظري ويدي يوم بعد يوم.
ويبدوا أن هذا المشهد في هذا اليوم بالذات قد أثار في أحاسيس قوية من الأمومة تعرفها الأمهات جيدا ولكنها قد تنسى في زحام تعاملات كل يوم بشده وجذبه خاصة عندما تكبر البنات فتسود العلاقة الكثير من الحوارات والمناقشات ثم المناقشات وايضاً المناقشات ثم الطلبات التي لا تنتهي أبدا ومن الممكن أيضا بعض الانتقادات. ابتسمت لها و قبلتها وأنا احتضنها بعيني وقلبي وأدندن "غمضت عيوني خوفي من الناس يشوفوك مخبا بعيوني " *


طالما أتذكر ويحلوا لي بين الوقت والآخر أن أتندر على نفسي في أول لقاء لي مع ابنتي وقد كان ذلك فور ولادتها وقد كنت شديدة التعب، خائرة الأنفاس وكان السؤال الأخير الذي نطقت به قبل أن أسلم نفسي للنوم هو "البنت كويسة ؟" استفقت بعد مدة وهم يضعونها على صدري، لأنظر إليها نظرة واحدة فقط وأتذكر أنني لم اسميها بعد ، ولكن غير مهم أنا متعبة "شيلوها" . "حقيقة .... ونعم الأم !"


وتتطلبني بعض الراحة لأستجمع قواي وابدأ رحلة أمومتي التي أخذت اتجاها مغايراً منذ أن بدأت التعرف على هذه الوليدة الصغيرة. أتذكر أجمل وأعمق إحساس شعرت به في حياتي على وجه الإطلاق وأعتقد انه من أحد التجارب القليلة التي لا تزال تأخذ نفسي وتأسر روحي كلما تذكرتها. تولد هذا الإحساس مع بداية إرضاعها . و بالرغم أن الرضاعة نفسها لم تكن التجربة المفضلة عندي ، فقد كنت مهتزة بشدة من تغير نوعية دوري في الحياة إلى مجرد مرضعة ومغيرة حفاضات ، إلا أن الجو المحيط بهذه العملية جعلها تجربة احتواء بكل ما تحمل الكلمة من معاني.


إلى الآن لا أنسي جلستي على فراشي محتضنة هذا الكائن الصغير، جسمه مرتكن على زراعي ووجهه قريب إلى وجهي ونفسه في نفسي وعيونه في عيوني واليد الفائقة الصغر ذات الجلد الناعم وكأنها من الجنة متشابكة مع أحد أصابع يدي اليمني. أما قمة المتعة فكانت تأملي للعيون الصغيرة التي كانت تتفتح يوماً بعد يوم والرموش التي كانت تزيد رمشاً رمشاً بين يوم وآخر. كانت مطالعة عيون ووجه ندى وتعبيرات وجهها وهي تجاهد في أولى مهماتها في الحياة للحفاظ على حياتها وكفاحها في سبيل" لقمة العيش" هي تجربة استمتاع شغلت كل حواسي في ذلك الوقت وتركت بداخلي ذكرى راسخة لا أنساها مع مرور الزمن .


وبعد مرور السنوات، ها أنا أتأملها وأنا أفكر إنني لم أعد لها ذلك الكائن العملاق ، كما لم تعد هي ذلك الكائن الدقيق المكافح من أجل حياته ، بل المكافح من أجل استقلاله . أنام وأنا أفكر في المزيد الذي ينتظرني كشاهد وراعي لكل لحظة من لحظات نمو وتطور هذا الإنسان. حقاً .... مسئولية كبيرة !!!!




* من أغنية سألوني الناس لفيروز


أميرة المسيرى


* من اللحظات القليلة في الحياة التي تأخذ الأنفاس

الأربعاء، 20 مايو 2009

في عيد ميلادي السادس والثلاثين



نظرت إلى الساعة في هلع
" ياه.... الساعة تسعة إلا عشرة .. الظاهر مافيش فايدة فيه ابدأ . كل يوم أنوي المحافظة على ميعاد العمل ولكن تاتي لحظات "اللكاعة" الأخيرة لتفسد نواياي الطيبة.


لملمت بقية أغراضي سريعا وخرجت وأغلقت باب شقتي ورائي . نزلت على السلم بخطوات سريعة وفي ثواني كنت في الشارع . وقفت للحظة أنظر يمينا ويسارا محاولة تذكر أين ركنت سيارتى في اليوم السابق. أتذكر سريعا.. وأتابع خطاي السريعة في اتجاه اليسار، شنطة يدي على كتف وشنطة "اللاب توب" على الكتف الأخر.


لفت نظري أنني أتحرك بهمة ونشاط وثقة أكثر من كل يوم . وبالرغم من إننا في الصيف والأيام السابقة كانت حارة للغاية ، إلا أن الجو كان أكثر من رائع . شعرت بشعاع لطيف معتدل للشمس يتخذ طريقة من بين الأشجار المصطفة على جانبي الطريق ويصل الى خصلة من شعري. بينما أتابع خطاي الحثيثة نحو سيارتي، حلا لي أن انظر إلى الشارع من منظور أوسع ، فمددت نظري إلى أبعد من مكان سيارتي في منتصف الشارع. وأمتلأت برغبة أعمق في التمعن في شعور استمتاعي البسيط ، فرفعت عيني أنظر إلى السماء، فطالعني اصطفاف الأشجار الفارعة في شارع بيتنا وشعاع الشمس النافذ من السماء . لم تستغرق هذه الأحداث سوى لحظات لكنها تركت داخلي شعور بالراحة والاسترخاء.


توقفت أفكر قليلا بينما أفتح باب سيارتى ... ما بي اليوم؟ ما هذه الثقة ؟ ما هذا الاسترخاء ورواق البال.. ..... لا شئ محدد... .. أه ... تذكرت بعد أسبوع عيد ميلادي الستة والثلاثين. يمكن عشان كده ؟؟ 


ممكن يكون هذا هو السبب ؟ غريبة !!!!!، فالكبر بعد مرحلة معينة عامل قلق وليس عامل فرح ... لكني على العكس كنت أمشي فارده قامتي ، أدق الأرض بقدمي بمنتهى الثقة ، حاملة معي سنوات عمري الستة والثلاثين بفخر وراحة مع النفس. ضحكت من نفسي. "ده إيه يا ست الثقة دي كلها؟؟" و رددت على نفسي "طبعا... وليه لأ، مادمت متحققة بالقدر الذي يكفيني ويغنيني ويملأني."


هل هذا هو الرضا ؟ هل توصلت أخيراً إلى قدراً لا بأس به من الرضا ؟  بعد ان مرت بي سنوات طويلة و أنا أقول "مش كفاية ..... لسه كمان."


لكن النهارده، لسبب ما كنت أمشي مفرودة القامة وأشعر بكل ما في جميل و كل ما حولي جميل . كنت أشعر بان سنوات العمر هي فرصة وهدية من الله يعطيها لنا لنفعل بها ما نشاء . لنجرب ونخطئ و نتعلم . عادي أن نأخذ قرارات خاطئة . مشروع جداً الا نعرف الطريق ، فنتحسس خطانا ، نخاطر وننجح  ولا مانع من أن نتعثر مرات إن كنا سنقوم  أقوى .


النهارده ... ضبطت نفسي و أنا أربت على كتف نفسي وأقول لها برافو على كل النجاحات والإخفاقات ، على كل المحاولات. أن شاء الله اللي جاي يكون أجمل و أسعد........... ضبطت نفسي أيضا أنظف الدواليب القديمة وأطوح ببعض ما يثقلني من شباكي في الدور الرابع لتسقط على الأرض ، فتتفتت مليون قطعة، فتفديني ...فأعيش عاماً جديداً ...... . كل سنة وأنا طيبة .

أميرة المسيرى

الثلاثاء، 21 أبريل 2009

"صباح و مسا"


إحساس مباغت
أزال بينا مسافات من الإختلافات


وأنا مستسلمة للتمتع بهذا الإحساس
لا أرغب في النوم
أجلس بالليل
أنا وأنت وفيروز
ويدي تحتضن كأس الشاي الأخضر بالنعناع


أحتضن الكاس بيدي الأثنتين وأتمتع بدفء حرارته تختلسني
أغمض عيني وأرفع الكاس لفمي فتملأ أنفي رائحته المحببة
أرتشف أول قطرة... تلسعني حرارته
فالأتركه قليلا حتى يبرد
ولأرتشفه قطرة قطرة. هكذا أحب أن أشربه


أنظر إلى الكاس وأتمتع بلون الشاي من خلال الزجاج الشفاف
هكذا أحب أن أشرب كأسي
لي طقوسي الخاصة
ليست بالشئ الكثير ولكنها طريقتي أنا التي تجعل من الأشياء الصغيرة تجربة ممتعة خاصة بي


هذا هو طقسي اليومي
لحظتي التي أختلي فيها بنفسي
ولكن اليوم زاد عليها بعداً جديداً
بعداً جعل للحظة خلوتي هذه طعم مختلف
شيئا ما قد لمسني ونفذ إلى داخلي
أشعر بإحساسي وقد رق


وفي الخلفية تغني فيروز
" صباح ومسا "
" شئ ما بيتنسا "


ربما كانت هي الخيط الرابط
منذ بداية أزمتي التي لم يكن لك شأن بها
كنا أيضاً أنا وهي


كان ذلك قبل بضعة شهور
قبل مرحلة الإنفجار
كان الوقت السابق لهذا الإنفجار وقت تعب وتفكير لا يؤدي الى أي راحة
إلى أن حدث الإنفجار في داخلي
إنفجار نتج عنه نزيف للكثير من المشاعر والأحاسيس
إنفجار أزاح طبقات وطبقات من تحت التراب وأتي بها إلى السطح


ومع الإنفجار أهتززت .. و ترنحت
وأنا على الأرض أجثو على ركبتي ، فوجئت بالألوان
رأيت الألوان في كل مكان ..... ما أجمل الألوان
كل الوان الكون أمتزجت في تشكيلات جميلة متداخلة
في هذه اللحظة أكتشفت الكثيرعن نفسي


هل كان مقدراً أن تاتي في ذلك الوقت ؟
هل هناك سبب لذلك الوقت بالتحديد
هل هناك سبب لكل ما سبق ؟


ولماذا أنت؟
منذ عرفتك وقد أوجست منك كثيراً
وأبعدتك كثيراً
فقد كنت أخشى ذلك اليوم


ولكني أنا التي تقترب الآن
بثقة وغرورحديث الطيران أقترب
اليوم أتحت لنفسي فرصة للاقتراب
فرصة أختلستها من العقل والمنطق وكل حسابات الورقة والقلم.




أقترب نحو النور وما أقسى إحتمالات النور
أعرف أنه قد يكون نوراً أسكن اليه وقد يكون ناراً حارقة
وشتان بين الأحتمالان
ولكن النور يجذبني.... فلا أستطيع إلا الإقتراب


و أتلقى التحذيرات
الرسائل المباشرة والمتوارية
وأفكر في كل ما حافظت عليه
وفي كل ما يستوجب الحفاظ عليه
في إحساسي وشعوري
في حياتي المقبلة


أقتربت اليوم بخاطري وأنا لست نادمة
بل على العكس أشعر انك قد أضفت الي شيئاً جديداً
شيئا جعلني أبتسم لك عن بعد وأنا اتذكر بعضاً من تفاصيل اليوم.


وعدت
وها أنا الآن بالليل ؛ أنا وأنت وفيروز
وكاس الشاي بين يدى وتفاصيل صغيرة تدور بعقلي


فرغ الكاس ..... تصبح على خير.

أميرة المسيرى

السبت، 11 أبريل 2009

هل نلتقي؟

يا عزيزي...
صعب علي أن أقبلك كما أنت
صعب عليك أن تقبلنى كما أنا


الحرب بيننا دائرة . شد وجذب
هي حرب فرض الإرادة
ليست بغرض فرض الإرادة ، ولكن لأننا نمثل قمة التناقض
أمثل أنا الوحدوية ، تمثل أنت التعددية
أنا الأحساس وأنت الحسية


وعندي تتنافى التعددية مع الحب الصادق
وتتنافى مع الكبرياء والإعتزاز بالذات
هذه التعددية تركت العديد من البصمات عليك
أراها في خيالي


تنفي عن نفسك التهمة إن كانت تهمة
وتقول هذه البصمات جزء مني وأنا شاكرلها
شاكر لكل النساء العابرات
لأن كلاً منهن ساعدتني على إكتشاف جزء من ذاتي


أعترف أنهن ولا بد ساعدنك على ذلك وأحسدك إن كنت بافعل قد اقتربت أكثرمن نفسك
ولكن..... لا أزال لا أقبل التعددية ولا مطلق الحرية


بل .... من الممكن أن أتقبلها ولكن فقط كجزء من الماضي
أقبلها لأنها جزء من الكل الذي أصبحت عليه
ومن الممكن أن أتمادى لأحبها
ولكن الأكيد من أنني اذا جئت فسوف أطردها لأحتل كل مكانها


لا أريد أن أكون كنزيلة غرفة في فندق
أدخلها لأول مرة فتطالعني رائحة آخر نزيلة
أريد مكاني أنا ومساحتي أنا
مساحتي التي ندخلها معاً فتطالعني رائحة عطري أنا
وتدخلها مغمضاً فتظل تعرفها قدرمعرفتك بي
أريد مساحتى التي لا يشاركني فيها إلا انت
فهل تكتفي ؟
هل أملأك أنا؟


ولكن...
نقط بدايتنا مختلفة؟
ابدأ أنا بالصداقة
تبدأ أنت بالحسية
أقول نتفاهم
تقول سوف يأتي التفاهم


تراني أكبل نفسي
أراك منساق وراء كل ما تشتهيه نفسك
ترى نفسك مشبع
أرى نفسي أمتلك قدراً كبيراً من التحكم بالنفس


وبين كل مرة وأخرى نتقابل ، نتناقش .... وأصدم وتصدم
وأدير ظهري وأمشي
ولكني أظل أفكر فيك
أتشاغل وتتشاغل.......... ولكنك تاتي .. بعد شهر... بعد سنة ....


وأظل أحب فيك أشياء ربما ليست هي الأشياء التي تحبها في نفسك
وأكره فيك فجاجة الصراحة التي لا تستطيع أذني أن تعتادها
وأحب نصف الجملة الثاني من كلامك الذي يخفف من حدة النصف الأول


وأفكر ....


ترى هل نلتقي يوماً ؟
وهل سأكون أنا أنا وهل ستكون أنت أنت؟

أميرة المسيرى

لا يصح ان يجوع الإنسان أو أن تجوع روحه



بينما كنت أتنظر أنا وأبنتي في أحدى إشارات المرور، رأيت مجموعة من أطفال الشوارع على بعد خطوات من عربتنا. بالصدفة ذهبت عيني إلى أحدهم ورأيته وهو يبصق على الأرض ويمسح فمه بيده، وباليد الاخرى يمسك بحزم من النعناع الأخضرالذابل ، يبيعها في الإشارات.. وبأسرع مما أستوعب، رأيته يتقدم نحوي وقد قررأن يبيعني بعضاً من النعناع..


مدفوعة بإحساس من القرف منه ، أمتدت يدي لا إرادياً تتحسس موقع زر الزجاج لأغلقه وأتجنب محاولته للتقرب مني، ولكن الوقت لم يسعفني . مد رأسه من خلال الزجاج النصف مغلق قأئلاً " خدي مني " قلت له "شكراً مش عايزه" وأنا أكمل إغلاق الزجاج بالفعل . مد يده في طريق الزجاج فنزعت يدي من على الزر، فلم يكن من الممكن أن أخاطر بغلق الزجاج على يده. إلا أن تصرفه هذا أثارني واعتبرت إصراره هذا نوعاً من التحرش. وما أن أزاح يده ، حتى سارعت بإغلاق الزجاج ، فأخذ يدق على الزجاج، وسمعت صوته من خلف الزجاج يقول: " أنا جعان... إدينى من اللي بتاكله ده" وهو يشير الى البسكوت بالشيكولاته الذي كانت تأكله أبنتي.


تحركت الإشارة قليلاً ، وتحركت بالعربة ببطء ، فأخذ يتعلق بالعربة ولم أصدق نفسي ساعتها من ردة فعله ومدى تهوره، فأخذت أنهره ثانية من خلف الزجاج ليتركنا في حالنا. وتحركت بالعربة مرة اخرى وأدرك هو أنه لن يصل إلى شئ، فأفلت نفسه .


لا أعرف لماذا توقفت كثيراً عند هذا الحادث العارض أتأمل وأفكر فيه. والأغرب من ذلك أنني بشكل ما وجدت تشابه بين حال هذا الصبي الفقير البائس وحال كثير من الناس المحيطين ومن نفسي في بعض الأحيان. ووجدتني أفكر في إنه إذا كان الفقروالجوع المادي هم سبب تسول هذا الصبي. فماذا نتسول نحن؟ و أي نوع من أنواع الفقر نعاني ؟


أدركت أنه هناك أنواع أخرى من الفقر تعيش بيننا ولكن يصعب علينا التعرف عليها ، ذلك لأنها تتواجد في أشكال غير ملموسة متنكرة فلا نلتفت اليها. أرى الآن الخيط الجامع بينها بوضوح يظهر في عدم الشعوربأي لذه للأشياء، عدم الرضا عن الحال أوعن النفس، والرغبة دائماً في المزيد. أرى أناس وحيدة من الداخل برغم أنهم محاطون بالناس في كل دقيقة وتراهم ويقولون أصعب أنواع الوحدة هي التي تشعرها وأنت في وسط الناس. والسعادة عندهم ، سعادة وقتية ، تنتهي بمجرد إنتهاء واقتناء الاشياء المباشرة... فلا يبقي منها اثر فيظلوا جائعين.


أسترجع الآن مختلف "ماركات" الفراغ فأراها كالقلادة معلقة على الصدور . تتدلى من الرقبة وتمر بالقلب والمعدة والضلوع ، يكادالقفص الصدري أن يضيق بها. وأينما حلت ، حل على صاحبها الشعور بعدم الراحة لأنها تحرك فيه إحساس بجوع لا يشبع ولايمتلئ لأنه من الأصل لا يعرف ماذا يغذيه.


ومع إحساس الجوع ، يزداد الياس وفقد الإتجاه، فتجد حاملي قلادات الفراغ يلهثون في كل إتجاه محاولين سد هذا الفراغ بمختلف الطرق . إلا انهم لا يتوقفوا ليتساءلون : ما هو سبب هذا الشعور؟ أراهم مثل صبي الإشارة الصغير جائعين متعبين ، يحاولون سد جوعهم بأي ثمن. إلا أن طفل الاشارة اليائس أحسن حالاً من كثيرين لأنه على الأقل يعرف ماذا الذي يشبعه.


فما هي أسباب فقر الأغنياء الفقراء؟ في رأيي أن فقرالروح يحدث عندما يهمل الإنسان نفسه فيغفل ما يشبعها و يغذيها . فلكل نفس غذائها الخاص والمختلف الذي قد لا ندركه خاصة مع مجتمعاتنا التي تميل الى الجماعية والتقليد و بالتالي النمطية في كل شئء بدءاً من التعليم والأسرة المجتمع.


لذلك تجدنا نعيش في القوالب التي صنعها المجتمع والتي تستخدم كمعايير لتقييم نجاح وقيمة الأنسان. فاذا كنت متعلماً ، عندك وظيفة ، عندك أسرة وفرص للترقي وجني الاموال ، إذن أنت ناجح . .إذا كنت تقتني الكثير من السلع الاستهلاكية وتبالغ في الاهتمام بمظهرك ،إذن فانت "حد نضيف" وإذا كان العكس "فأنت أي كلام " وأمثله أخرى كثيرة للسطحية التى طالت حياتنا والتي نحكم من خلالها على الأشياء والأشخاص . ولكن هل تتوقف لتسأل نفسك هل أنت راضي؟ هل انت سعيد؟ هل عرفت نفسك ؟ هل عرفت ما يشبعك؟ لا.... أنت تفعل كما يفعل الأخرين . واقف في نفس الطابور ، منتظر نفس الأشياء.


أذن فعلينا الا نفكر فقط فيما يشغل وقتنا ، بل فيما يملأ روحنا ، يشبعها ويقويها. علينا أيضاً أن نتأكد أن المدخلات على حياتنا هي أشياء ذات معنى تطول روحنا وليست أشياء سطحية ظاهرية نخلعها كما نخلع ملابسنا عندما نذهب للنوم وذلك لأن جوع الروح هي أخطر حالة قد يصل اليها الإنسان فيتحول الى مخلوق ضعيف بائس يقبل بأي شئء يخطفه ليشبع به جوعه. هي حالة مخيفة لا يبقي للإنسان فيها شيئاً للحفاظ عليه والأخطر من ذلك أنها تخيف الآخرين. فمن منا سيمد يده لغريق قد يسحبه معه وينزل به الى القاع..

أميرة المسيرى

مسألة وقت وإعداد وإستعداد



أستشعر خطواتي على الطريق الصحيح
الطريق الذي حلمت به وأحسسته منذ زمن طويل
حدس داخلي حدثني عنه وأكده لي
ولكني تركته بإرادتي وأهملته
طواعية تخليت عنه ليس لكسلي أو لعدم إيماني ولكن بسبب إيماني بالتوقيت والإستعداد


فالتكوين يجب أن يحدث
ويتطلب الوقت
يتراكم قطرة قطرة
مع كل حادثة ، مع كل كلمة وكل خبرة تؤثر فينا سلباً أو إيجاباً
إلى أن نغدوا منتجاً جميلاً هو حاصل جمع وضرب كل هذه الأشياء
كل هذه الأشياء تصنع تاريخنا ، توثر في حاضرنا وشكل مستقبلنا


أشعر بالطفل يستعد للإنطلاق
كان الطفل يخزن الحروف والكلمات والمشاعر والخبرات، ليكون الجمل وليعي ما هو معنى الأحساس
كان الطفل يحتاج التعلم ويحتاج أن يكون جاهزاً، قادراً ليمشي
كان يكون العضلات ويستجيب للتحفيز ولكنه كان ينتظر الوقت المناسب
كان للطفل رجلين وزراعين ..... لم يكونا معطلان كل هذه الفترة
لم يكونا خاملان ، بل كانا يتدربان ليفاجئا العالم بالقدرة على المشي والحركة
كانت مسالة وقت وإعداد وإستعداد


الآن اشعر بهذا الإستعداد ، ولهذا أشعر بالإمتلاء
وكأني لست وحدي المستعدة
كل ما حاولي مستعد وفي صفي ... وهذا ليس صدفة
لا أصدق في الصدف .... فأنا جاهزة الآن


أشعر بنفسي إنسانة أخرى
انسانه أخذت وقتها وفرصتها لتنموا
أشعر بنظرة عينى مختلفة
أراها مفتوحة على التعلم والقدرة على الإندهاش والإستمتاع بالأشياء
أتمتع بنظرتها الراضية
يسودوني هدوء المطمئن الواثق
فليس هناك شئ إسمه الصدفة
بل هناك شئ إسمه التوقيت
عندها فقط تحدث الأشياء
وقتها تتفتح الورود، وتتطيرالفراشات

أميرة المسيرى

الخميس، 26 فبراير 2009

حادي بادي،... صوت جاي لنا هنا من الناحية دي

ذكرياتنا واحنا صغيرين هي صوت جاي لنا من بعيد.... أول يوم مدرسة هو يوم لا ينسى .صداقاتنا الصغيرة ، استعدادات الحضانة لحفلات أخر العام وأصواتنا الصغيرة ونحن نغني على نغمات البيانو " ماما يا حلوة يا أجمل غنوة" . المسرح الذي شهد رقصاتنا ولهونا. عالمنا الصغير هذا كان عالمنا السحري ، شكل حياتنا وترك لنا الذكريات.

اليوم أريد ان أسترجع هذا الجزء من حياتي . أريد أن أعود بذاكرتي لأنفض التراب عن الصندوق الأسود الذي يحوي كل الذكريات .... .. مدرستي وحشتني.


يالا بينا ... يالا يالا . يالا يالا بينا... دي الشمسوسه طالة طالة وبتنده علينا. "



دي الأغنية اللى أنا سامعاها وأنا بادخل من باب المدرسة الأمامي . يلاقيني على الباب عم حسين بالجلابية البيضاء بترحاب ويقولي أتفضلي .....النهارده يوم الأحد . الحصة الأولي والثانية رسم .


نصطف كلنا في طابور لنذهب الى غرفة الرسم ذات الواجهة الزجاجية المطلة على الحديقة الأمامية . ترابيزات كبيرة تحيطها مقاعد طويلة كافية لتستوعبنا. الحوائط مزدانة بالأعمال الفنية من أنتاجنا نحن والتلاميذ الآخرون. مواد فنية ، خامات والوان . نجلس وتحدثا ميس جيهان. " النهارده يا أولاد هانعمل حاجة جديدة . أنا معايا شريط جديد للأطفال عجبني أوي وعاوزاكو تسمعوه. هنشغل الشريط ده دلوقتي وهاترسمموا وانتو بتسمعوا . ما عندناش موضوع محدد. اللي يجي على بالكوا أرسموه."


وأدارت ميس جيهان الشريط وكانت أول مرة أسمع هذه الأغاني وأول مرة أرسم على خلفية موسيقية .أذكر منظر حديقة المدرسة في الصباح الباكروالشمس المشرقة تتخلل الزجاج المزدان بالرسوم الزيتية من رسم ميس جيهان. أكذر دفئ الشمس ودرجة سطوع الشمس المعتدلة المريحة والمهدئة للنفس. و يا ألله كم هي جميلة هذه الاغاني . نقلتني الى عالم سحري كله الوان و مرح و نغمات. هكذا كان شعوري ذلك اليوم. كم هي جميلة ميس جيهان بشعرها الأسود الطويل والروج الأحمر الذي كان يمثل أقصى درجات الأبهار في ذلك الوقت بالنسبة لي . هكذا رأيتها .. جميلة ورقيقة، فأحببتها وأنطبعت صورتها في ذهني كصورة جميلة لا يطولها الزمن. و لكن هل لو رأيتها الآن هل أعرفها ؟...... أشك!


فاتت كام سنة وأتنقلنا من مبني الأبتدائي إلى مبني الأعدادي. الحصة الآن حصة أحياء وسوف نذهب إلى المعمل . ننزل من الدور الثاني مقر فصلنا ونتحرك في طابورين: واحد للبنات والآخر للأولاد. ونتلكلأ قليلا لنضيع بعض الوقت ونثرثر بأي أحاديث ونضحك على أتفه الأسباب . وفي طريقنا نمر بمكتب وكيل المدرسة ونتنبه لذلك فيخف الهرج والمرج للحظات إلى أن نتخطى منطقة " الخطر".


اليوم حصة تشريح. سوف نقوم بتشريح أرنب . يقوم مستر "سيتي" مدرس الأحياء بذبح الأرنب ويقوم بشرح الخطوات التالية للتشريح ويطلب بعض المساعدة في تثبيت الأرنب على لوحة التشريح. " مين هايجي يثبت الأرنب بالمسامير؟ ويسود المعمل صمت تام ..... ولا ينطق أحد إلا الفلحوسة التي هي أنا "أنا يا أستاذ أنا" وأخطوا نحو المنصة الكبيرة الموضوع عليها الأرنب ويناولني الأستاذ الشاكوش الكبير والمسامير ... أحاول التغلب على الرهبة التي أنتابتني وأمسك رجل الأرنب الصغيرة التي كانت لا تزال تنبض ولم تفقد حرارتها بعد..... " لأ مش أدرة، مش ادرة " و أجري وأترك الأرنب والأستاذ وأجلس في مكاني وسط ضحك زملائي الجبناء. طب أنا حاولت اتغلب على خوفي .. انتو عملتوا أيه؟


النهارده بقى السبت عندنا أجازة . بس أحنا برضه مع بعض...... وفين بقى؟ ... في الأسماعيلية. عندنا رحلة . في الأتوبيس بنغني ونرقص والبنات وسط الولاد مش باينين من بعض بسبب تسريحة "البنك" اللي كانت كل البنات عملاها . ونصفق ونحن نقترب من أحد النوادي على قناة السويس. بعض المفاوضات بين مشرف الرحلة وموظف النادي . ننتظر بترقب ونحن نستعجل النزول . يدخل الأتوبيس الى النادي ويركن. نقفز من الاتوبيس ونجلس على الرصيف و يحلوا لنا التقاط الصور لحين قطع التذاكر ونتدافع لنظهر في الصورة..


وتمر سنوات أخرى ونصل الى الثانوية العامة . الوقت ده كان وقت جد . أكثر سنة ذاكرنا فيها وعملنا فيها جهد . ماهي بتحدد مستقلبنا. بس كنا كلنا بنحب أو أغلبنا علشان ما حدش يزعل. وكانت البنات مع أولاد أكبر. ماهو في المرحلة دي ما كنش يملى عنينا العيال بتوعنا دول . وكان وقت عبد الحليم وليالى الحلمية ونوتس لاندنج وفالكون كرست. و في المرحلة دي كانت تنازعنا أحاسيس الحنين ونحن نوشك أن ننهي مرحلة جمييييييييلة من حياتنا هي مرحلة المدرسة و في نفس الوقت مشاعر التطلع الى مرحلة الجامعة بما ترتبط به من حرية والدخول في مرحلة الشباب.


ونجحنا..... وتركنا المدرسة وطوينا صفحة جميلة من حياتنا وطفولتنا . هل تركناها في المدرسة؟ طبعاً لأ.
أخذنا الكثير منها في شخصياتنا من ذكريات وصداقات ومشاعر تقدير عميقة وحب لزملاءنا وأساتذتنا وحتى عمال المدرسة..


وأخطو على مضض على الممشى الطويل المؤدي الى باب الخروج وأنظرعلى يميني فتطالعني الملاعب الواسعة التي أفنينا أنفسنا فيها لعباً وجرياً وصريخاً. وأرفع رأسي إلى الفصول العلوية وأقول لنفسي وأنا أمسح دمعة صغيرة ابداً لن أنسى هذه الأيام. وقرب باب الخروج تقع عينى على الجرس المعدني الكبير ويرن في أذني صوت الأغنية يوم حصة الرسم في فصل ميس جيهان مدرسة الرسم الجميلة............. . " حادي بادي، حادي بادي، صوت جاي لنا هنا من الناحية دي ....... عمال بيغني وينادي....... سامعين صوته الحلو العالي....... بيقول تعالولي تعالولي."
أميرة المسيرى

الأربعاء، 11 فبراير 2009

أجري أجري أجري



عمرك حسيت أنك في سباق؟ عاوز تعمل وتعمل وتعمل. و تجري وتسعي وتنتج وتاخد الخطوات اللي توصلك لهدفك، لكنك و انت بتجري بتحس انه مش كفاية . لازم تعمل اكثر. وساعات تلوم نفسك و تقول ليه ما اشتغلتش اكتر؟ و ليه ما حققتش أكثر؟ او ليه انا مش احسن مهنياً ؟ ليه ما كنتش أجتماعي اكتر؟. ليه ليه ليه ؟
وتلوم نفسك بسبب كل شئء، سواء كان بارادتك أو خارج عن ارادتك. وتقول أنا اتعطلت و اللي فات وقت ضاع . الأغرب من كده لما تجيلك الأحاسيس دي لما تكون بالفعل أبتدي حهدك يبان ، لما تكون يدوبك أبتديت تاخد اللي تستاهله في وظيفتك مثلاً او تكون أنجح و أنضج أجتماعياً .... ساعتها بتقدر نفسك، لكن برضه بتلاقي نفسك في سباق محموم عشان تعوض وتلحق . . تلحق أيه بالظبط مش عارفة ؟ بس الفيصل أنك تلحق حاجة أفضل مما انت فيه دلوقت.
و ساعات ثانية عزمك يهبط و تيأس و تقول اللي فات صعب يتعوض. و تكون النتيجة أنك تلاقي نفسك في سباق محموم و قلق مستمر و تلاقي نفسك بتجري و تجري، و تتكعبل وتتعثر لانك بتجري جوه نفسك ، بتعذب في نفسك و ساعتها كمان يمكن تفقد صبرك وعزمك اللي المفروض انك تحافظ عليه لأنه سلاحك اللي هيخليك تكمل السباق و تاخد اللي تستحقه . حقيقي النفس البشرية ديه كلكيعة كبيرة!
ده السباق اللي كلنا بنجري فيه . بعضنا محدد عاوز يوصل فين والبعض الاخر عاوز يوصل مكان ما لكن مش محدد أوي، شايف كل اللي حواليه بيجروا، فلازم يجري هو كمان، يمكن يلحق أي حاجه. لكننا في السباق ده بنحترف القلق ، بيصبح جزء من حياتنا. بنصحي و ننام بيه، بيعذبنا. ساعات ييكون حافز وساعات بيكون العزاب. فيه ناس تقولك النجاح عندي مش أختيار وحد تاني يقولك أنا عندي زكاء و قدرات و طاقة و أنا عارف أن ربنا هايحاسبني عملت بيهم ايه . لكن في الواقع أن ربنا مش هو السبب . أحنا السبب.
اليوم فقط عرفت سبب لهذا السباق و هذا القلق. سبب بسيط جداً له وجود في كل اللغات . على الأقل اللغات الثلاثة التي أعرفها. ضحكت من نفسي لما فكرت فيه وحطيته في جملة مفيدة. ...السبب صيغة التفضيل.يعني ايه؟ ببساطة معناها أن كل حاجة حلوة في الدنيا فيه أحسن منها و بدرجات مختلفة.
مثال لكده بالانجليزيةgood, better, best أما بالبلدي فمعناها أن القوي فيه الأقوى منه و الشاطر فيه الأشطر منه و الحلو فيه الأحلى منه . الخ الخ الخ . فبالتالي مش كفاية تكون شاطر ، و لا كفاية تكون زكي. لا لازم تكون الأفضل .
أسرح بخيالى و أنا أتخيل الأفضل و الأحسن . و أتسائل ليه يا ربي المنتهى صعب ؟ وليه طريقه طويل؟ ليه صعب الوصول بالاشياء إلى آخرها؟و لكني أسأل نفسي لماذا المنتهى؟ وكأن الصفات ليست كفاية ؟ لماذا المنتهى ؟
و أعود تاني للسباق مانا عاوزه أنجح ، عاوزة أعوض اللي فات . أو عاوزه الحق أستمتع قبل فوات الاوان. و أكاد أجن . و أجري و حولي المتسابقين ، كل يجري في سباقه ، منهم شخصيات لا تطاق و منهم ناس مؤثرين . وأقف قليلأ أحاول أن التقط أنفاسي و لا يكون هذا بارادتي و لكن لاني أنهار و لا أستطيع إلا أن أتوقف. أحاول أن أتزكر نفسي و حياتي قبل دخول سباق المنتهى فأجد نفسي أبسط ، أجد نفسي أنا . و أتزكر متعي البسيطة .
و أقرر أن أخذ أجازة من السباق، فأخرج وأركب سيارتي و أفتح الشباك الى آخره و أفتح عينى أتامل أشرعة المراكب في النيل و أحول بين محطات الراديو فاسمع " يا حلو صبح ، يا حلو طل ... نهارنا أبيض نهارنا فل" فاتفائل و أطرب . و أقلب المحطات الى ان أجد أغنية تعجبني .... " بكرة يا حبييبي يحلو السهر، بكرة يا حبيي نحضن الامر. " و أغني و أنا سعيدة .و عندما أحب أن أتوقف، أتوقف . و أتامل كل ماحولي بنفس تود أن تهدأ. و أنظر الى الشمس و السماء الصافية ، فأستريح من داخلي وأغمض عيني وأريح رأسي الى الوراء و أشعر بحرارة الشمس تتسلل إلى جفوني، فاغفو وأنسى السباق لبعض الوقت.
.............................................
و لكن.. السباق له متعته . متعة اذا عرفتها لن تزهدها لانها تصل بك الي اقصى درجات الاداء . أنت في احسن صورة و أكمل صورة ممكنه . درجات و حالات لم تكن تعرفها عن نفسك و لا يعرفها عنك الغير. و في السباق تقابل ناس تتعلم منها ، تبهرك فعلاً و تكون ناس حقيقية . و ناس اخرى لا طعم و لا رائحة و لا لون و في قلب السباق، لو عندك شوية مخ ، بتتفرج و تتامل و تضحك في سرك على حاجات كثيرة وساعات برضه يمكن تعمل أهبل! أذن فالسباق ليس كله مساوئ و لا كله عيوب و من أدمنه و أختاره هو شخص دايماً يحب يكون أحسن و فعلاً بيكون أحسن .
لكن أنا اتعلمت حاجة... العيب مش في السباق. العيب في المحرك . العيب أن نشعر باننا لازم نلحق حاجة أو نعوض حاجة. العيب أن نقسو على أنفسنا ونتركها فريسة لأحاسيس سلبية تهدم أكثر مما تبني. الى كل المتسابقين المجانين، القلقين، أنا مستمرة في السباق ولكني قرررت أن أنزع القلق ورغبة التعويض. أنا راضية عما حققته وسوف أكمل بروح مختلفة . لن الوم نفسي على أي شئ . لو ماشية على رجلي هاخد بالي . و لو أنا اللي سايقة و عملت حادثة لن الوم نفسي ما هو ممكن الغلطة ما تكونش غلطتي . ولو غلطتي، مش مهم. أما بقى اذا كنت هانم وعندي سواق ،أتمنى فقط ألا يقع حظي في سواق عبيط يقع بيه في الترعة .
أميرة المسيرى
 

الأربعاء، 28 يناير 2009

رولور كوستر Roller coaster

كنت أشعر بالخوف وأنا اقف في طابورأحد ألعاب "الرولور كوستر" في ديزني لاند في فرنسا عندما ألحت أبنتي على ركوب هذه اللعبة . كنت قد ترددت قليلاً في الركوب لأن اللعبة بدت من أسرع وأخطر الألعاب طبعاً من وجهة نظري. ومع مطالعة وجوه راكبي اللعبة و سماع صراخهم، تأكدت بالفعل أن اللعبة سريعة جداً ومخيفة قطعأ ولكنها بدت مثيرة ايضاً. وكان الجو برداً قارساً في ذلك اليوم لدرجة تساقط الهيل علينا مما منعنا من التمتع بعدد كبير من الألعاب والعروض. ولكني كنت مدفوعة برغبة تعويض أبنتي وإمتاعها بأكبر قدر من الألعاب ، فاتجهت الى طابور الانتظارالطويل برغم خوفي و برغم برودة الجو.

و أثناء انتظاري، أخذت أتسلى بمراقبة الناس وأطفالهم وأنا أأكل الفيشار بسرعة و أنا أعلم أني متوترة . ثم سالت الموظف المسئول عن اللعبة عن مدى قوتها ، قال لي انها سريعة جداً ولكن بالمقارنة بالألعاب الأخرى لا تعد عنيفة . كنت أعلم أن اللعبة حقاً مرعبة على الأقل بالنسبة لي وأخذت أضحك على محاولتي الساذجة " المصرية الخالصة" لطمأنة نفسي حتى لو كانت هذه الطمانة غير واقعية وعكس ما اراه واضحاً أمام عيني .

ظللت واقفة في الطابورمزيداً من الوقت وانا اقول لنفسي "كان عليا بأيه بس يا ربي"و لكن.... لا مجال للتراجع الان و لكن ..... لن يضر أن أحاول . "يا ندى... ده الطابور طويل قوي ايه رأيك؟ " و لكن هيهات.... شاكلي كده طالعة طالعة . ما فيش فرار.

وحانت اللحظة وخطيت برجلي داخل العربة وأحكم رجل الملاهي السياج الحديدي حولنا وأنا اسأل نفسي " يا ترى قلبي هيستحمل عنف هذه اللعبة؟ ولكن خلاص مش وقت السؤال.
و تحركت العربة بدفعة قوية متسلقة بدايات المطلع الكبير للسلالم الحلزونية الدائرية الملتوية ذات الاندفاعات و الطلعات العنيفة، فاحكمت يدى حول السياج الحديدي والتصقت بجسمي اكثر مع ابنتي التي كانت هي الاخرى في قمة الرعب ولكنه كان بالنسبة لها رعباً لذيذاَ لانها كانت تصرخ وتضحك في ذات الوقت بملء صوتها. أما أنا فكانت يدي ومعصمي تزدادان تصلباً حول السياج الحديدي وكنت أغطس بجسمي إلى أسفل محاولة تفادي الصدمات العنيفة.

و أنزلقت العربة في اندفاع بسرعات جنونية في منزلقات من خطوط مستقيمة ومنزقات حلزونية باقصى سرعة فحبست أنفاسي وأنا لا أكاد أصدق نفسي ان قلبي لن يتوقف في أثناء أحد هذه الانزلاقات العنيفة . كنت أقول لنفسي " أنا ليه ركبت ؟ لن أستطيع تحمل عنف هذا المنحدر؟ و صوت أبنتي في الخلفية تقول " اوعي تبصي لتحت يا ماما."

و أخيراً انتهت اللعبة، فنظرت إلى أبنتي المرعوبة التي بدا على وجهها قمة أمارات الشيطنة والحماس . و قالت " كانت تجنن" . أنا ايضا شعرت بالأثارة برغم رعبي.... يبدوا أن شعور الخطر والمغامرة له لذته ايضاً . نزلت من العربة و قد أزدادت حماستي . ولكني كنت اتحرك و انا اشعر باثر تصلب يدي و ذراعي و ركبي لأنني على عكس ابنتي و الاخرين لم أنفس عن رعبي وخوفي و لو حتي بصرخة واحدة، الا انني كنت سعيدة لأني واجهت هذه اللعبة الملعونة .

وضحكنا كيثراً أنا و ابنتي الى ان دمعت أعينا و نحن نطالع تعبيرات وجهينا في الصورة التي تم التقاطها لنا : هي فاغرة فمها الى آخره ، بينما أنا منزلقة بجسمي الى أسفل ، متصلبة ، مرتدية طرطوري الأحمر، مناخيرى حمراء من البرد و على وجهي تعبير مضحك من الألم و الرعب . و لكني خرجت من منطقة اللعبة و أنا فخورة بنفسي لاني عرفت وقتها انى استطيع تحمل المزيد من المغامرة على عكس ما كنت أتوقع . وضحكت من داخلي و أنا أقول لابنتي " بس أبقي أدعكيلى ركبي يا بنتي"

أميرة المسيرى